كتاب الوفا بما يجب لحضرة المصطفى

…الحمد لله الذي شرع لعباده تعظيم أهل وداده، وجعل الغاية من ذلك لحبيبه وصفيه بانفراده، المبعوث من خير بلاده، المفضل مثواه في معاشه ومعاده، أحمده أن جعل تربته الشريقة أسمى البقاع وفضلها على عامة الأرض بالإجماع، ولله در القائل:
جزم الجميع بأن خير الأرض ما قد حاط ذات المصطفى وحواها
ونعم لقد صدقوا بسكانها علت كالنفس حين زكت زكى مأواها
صلى الله على هذا النبي الكريم سيدنا محمد وعلى آله وصحابته صلاة دائمه يضوع عرفها بتربته، ويضيء عرفها لقلوب أمته، وسلم وشرف وعظم، وبعد: فيقول العبد الذليل الواثق بجود الجليل علي بن عبد الله بن أحمد الحسيني الشافعي السمهودي، نزيل الحبيبة المحبة، سقاه الله كاسات المحبة، لما نزلت طابة بجوار من شرف الله جنابه، تولع خاطري، وولع ناظري، بالوقوف على أخبار دار الهجرة الشريفة، والروضة المنيفة، والحجرة المؤسسة الحاوية القبور المقدسة، فرأيت أمراً قضيت منه عجباً وملأ القلب لهباً، وذلك أن عامة تواريخ المدينة الشريفة التي وقفت عليها تواطأت على أن المسجد الشريف النبوي لما احترق سنة أربع وخمسين وستمائة سقط من سقفه ما كان على أعلى الحجرة المقدسة فوقع على سقف بيت النبي صلى الله عليه وسلم فوقعا جميعاً على القبور المقدسة، ثم لما ابتدأوا بالعمارة قصدوا إزالة ماوقع على القبور المقدسة فلم يجسروا على ذلك وتركوه على ما هو عليه، كما ستأتي الإشارة إليه، ثم كاتبوا الخليفة في هذا الأمر فلم يرد منه جواب لاشتغاله بأمر التتار، ثم قتل عقيب ذلك وطوى بساط الخلافة بعده من هنالك، كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى، فتأملت في ذلك مدة مديدة، سائلاً الله تعالى أن يمنحني توفيقه وتسديده، فظهر لي أن بقاء ما سقط من الهدم بذلك المحل العظيم،

الصفحة 95