كتاب تاريخ المدينة لابن شبة

بِمَكَّةَ حَتَّى تَؤُوبَ إِلَى الْعَرَبِ غَيْرَ آذَنٍ لِكَلَامِهَا، فَأَبَيْتَ ثُمَّ حَصَرُوهُ فَقَتَلُوهُ فَأَمَرْتُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ النَّاسَ، فَوَاللَّهِ لَوْ كُنْتَ فِي جُحْرِ ضَبٍّ لَضَرَبَتِ الْعَرَبُ إِلَيْكَ آبَاطَ الْإِبِلِ حَتَّى تُسْتَخْرَجَ مِنْهُ، فَغَلَبْتَنِي، وَأَنَا آمُرُكَ الْيَوْمَ أَنْ لَا تَقْدَمَ الْعِرَاقَ، وَأُذَكِّرُكَ اللَّهَ أَنْ تُقْتَلَ بِمَضْيَعَةٍ. فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " أَمَّا قَوْلُكَ: تَأْتِي مَكَّةَ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَكُونَ الرَّجُلَ تُسْتَحَلُّ بِهِ مَكَّةُ، وَأَمَّا قَوْلُكَ: حَصَرَ النَّاسُ عُثْمَانَ، فَمَا ذَنْبِي إِنْ كَانَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ عُثْمَانَ مَا كَانَ. وَأَمَّا قَوْلُكَ اعْتَزِلِ الْعِرَاقَ، فَوَاللَّهِ مَا كُنْتُ لِأَكُونَ مِثْلَ الضَّبُعِ تَسْتَمِعُ لِلَّدْمِ "
حَدَّثَنَا حَيَّانُ بْنُ بِشْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ زِيَادٍ، عَنْ أُمِّ الصَّيْرَفِيِّ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ قَبِيصَةَ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْتُ: مَا يَنْتَهِي بِالْعِرَاقِ وَإِنَّمَا الْجَمَاعَةُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، فَخَرَجْتُ فَأُخْبِرْتُ أَنَّ النَّاسَ قَدْ بَايَعُوا عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَانْتَهَيْتُ إِلَى الرَّبَذَةِ وَإِذَا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقْرَأُ، فَوُضِعَ لَهُ رَحْلٌ فَقَعَدَ عَلَيْهِ فَكَانَ كَقِيَامِ الرَّحْلِ فَتَكَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ §طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ بَايَعَا طَائِعَيْنِ غَيْرَ مُكْرَهَيْنِ، ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يُفْسِدَا الْأَمْرَ وَيَشُقَّا عَصَا الْمُسْلِمِينَ» ، وَحَرَّضَ عَلَى قِتَالِهِمْ، فَقَامَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّ الْعَرَبَ سَتَكُونُ لَهَا جَوْلَةٌ عِنْدَ قَتْلِ هَذَا الرَّجُلِ، فَلَوْ أَقَمْتَ بِدَارِكَ الَّتِي أَنْتَ بِهَا - يَعْنِي الْمَدِينَةَ - فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ -[1258]- تُقْتَلَ بِحَالِ مَضْيَعَةٍ لَا نَاصِرَ لَكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «اجْلِسْ فَإِنَّمَا تَحِنُّ كَمَا تَحِنُّ الْجَارِيَةُ، فَوَاللَّهِ لَا أَجْلِسُ فِي الْمَدِينَةِ، كَالضَّبُعِ يَسْتَمْتِعُ اللَّدْمَ، لَقَدْ ضَرَبْتُ هَذَا الْأَمْرَ ظَهْرَهُ وَبَطْنَهُ وَرَأْسَهُ وَعَيْنَيْهِ فَمَا وَجَدْتُ إِلَّا السَّيْفَ أَوِ الْكُفْرَ»

الصفحة 1257