كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

101…
أولاً: النواحي الاجتماعية العامة
الدعوة إلى الهجرة
يجد المطلع في كتب الحديث، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته إلى المدينة كان يرغب في الهجرة ويجعلها شرطاً مهماً في المبايعة على الإسلام، وتمامه (1). وكان أيضاً يحط من جدوى أسلوب البداوة والترحل في تلك المرحلة (2). ومن ذلك ما نجده في القرآن الكريم كقوله تعالى: "الأعراب أشد كفراً ونفاقاً وأجدر ألا يعملوا حدود ما أنزل الله على رسوله (3) ". ويذكر أنه شاع بين الناس في المدينة على عهده صلى الله عليه وسلم، أنه قد نهى عن قبول هدايا الأعراب أو طعامهم (4). وقد أريد بالأعراب هنا، كل منقطع في البادية، لا يتصل بالمسلمين في المدينة ولا يجيب داعي الجهاد والدين (5). ويبدو أن ذلك قد حدث بعد أن أهدى له أعرابي ناقتين، فعوضه لم يرض مما حمله على القول: لقد هممت ألا أتهب إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي (6). وذلك يعطي فكرة عن وجود محاولة لتهجير الأعراب وربطهم بالحاضرة، وإظهار ما كانوا عليه من تخلف في أدب المعاملة وجفوة في الطبع، حين قرن أسباب ذلك بالعزلة والانقطاع في البادية. مستنتجين كل ذلك من المقارنة بينهم وبين قبائل قريش والأنصار وثقيف، وهي قبائل عربية مستقرة ومتحضرة، ويروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حين سئل عن قول الله تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات" (7).…
__________
(1) مالك: الموطأ، جـ1، ص196 - 197. ابن حجر: الأصابة، جـ1، ص302، جـ3، ص440. (2) ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما نزل بتبوك أشار بيده فقال: الإيمان يمان والجفاء وغلظ القلوب في الفداديد، أهل الوبر. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص75، جـ4، ص463). والفداديد أو الفدادين: جمع فداد، وهو من الفديد، أي الصوت الشديد، فهم الذين تعلوا أصواتهم في إبلهم وخيلهم ونحو ذلك. (انظر: مسلم: الصحيح، جـ1، ص71، الهامش رقم 2، نفس المكان). (3) براءة: 97. (4) روى عن عائشة "رضي الله عنها" أنها قالت: "أهدت أم سنبله الأسلمية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لبناً فدخلت عليه فلم تجده، فقلت لها: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد نهى أن نأكل ما تهديه الأعراب، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر، فقال: يا أم أسنبةل ما هذا معك؟ قالت: لبن أهديته إليك. قال: اسكبي يا أم سنبلة، فناولته رسول الله فشرب. فقالت عائشة: يا رسول الله قد كنت حدثتنا أنك نهيت عن طعام الأعراب؟ فقال: يا عائشة، ليسوا بأعراب، هم باديتنا ونحن حاضرتهم، إذا دعوناهم أجابوا فليسوا بأعراب". (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص463). (5) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص463. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص541. (7) قال تعالى: "إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون". الحجرات: 4.

الصفحة 101