كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
102…قال: هم الجفاة من بني تميم لولا أنهم من أشد الناس قتالاً للأعور الدجال لدعوة الله أن يهلكهم (1). وهنا نرى أن الذي ضفع لأولئك الأعراب الجفاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو تميزهم بالشد في القتال، وإلا استحقوا غضب الله ورسوله، لأنهم سيكونون عالة - ولا ريب - على دولة الإسلام بتعطل قدراتهم الفكرية والاقتصادية، إذ ما طال انقطاعهم في البداية. وذلك النص يعبر عن وضع دولة الإسلام، عند قايمها في المدينة، وحاجتها إلى احتياطي كبير من الجنود الذائدين عن حياضها. ولهذا فإن وجود الأعراب، ذوي الشدة القتالية، في المدينة سوف يجعل مهمة استنفارهم للجهاد سهلة وميسرة. ولذلك قيل: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار" (2). ومما سبق يمكننا استنتاج أن الدعوة إلى الهجرة كانت تستهدف أولاً تكوين مجتمع الأمة الإسلامية الجديد، القائم على أسس قوية من الاستقرار والتحضر، والبعد ما أمكن عن الفردية والانعزالية، كما استهدفت ثانياً، إعداد النواة القوية الأولى للجيش الإسلامي لممارسة مهامه في الجهاد ومقاتلة الكفار.
الاستعداد النفسي والسياسي لنشر الإسلام
وبعد أن اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم على نجاح خطته لتكوين المجتمع الإسلامي القوي في المدينة، بدأ في تنفيذ مرحلة أخرى لبناء المجتمع الإسلامي الكبير وتوسيع نفوذه ليشمل العالم أجمع. وقد استنتجنا ذلك مما كان يتناقله المسلمون على عهده صلى الله عليه وسلم، من أحاديث كقوله: يظهر المسلمون على جزيرة العرب وعلى فارس والروم وعلى الأعور الدجال (3). وقوله: إن الأرض ستفتح عليكم، وتكفون المؤونة فلا يعجز أحدكم أن يلهو بسهمه (4). ثم أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يحث الناس على الإكثار من النسل ويقول: لا تزوجن عجوزاً ولا عاقراً، فإني مكاثر بكم الأمم (5). والنص السابق أيضاً، يصور حالة دولة الإسلام في المدينة وحاجتها إلى زيادة عدد سكانها لمواجهة التحديات التي كانت تحيط بها من أعدائها، أعداء الإسلام. فهذه المرحلة التي نتحدث عنها تعد مرحلة تهيؤ واستعداد نفسي وسياسي استهدف رفع معنويات المسلمين وبث الثقة في نفوسهم ليكونوا أكثر قدرة وجدارة لنشر الإسلام وتوسيع نفوذه. وقد بدأ تلك الجهود بإرسال السرايا حول المدينة بغية تأمين سلامة حدودها وتأكيد قوة المسلمين وسيادتهم فيها، وذلك بموادعة القبائل المحيطة بالمدينة، على أن لا يغزوهم ولا يغزون المسلمين ولا يعينوا عليهم أحداً (6). كما أن من…
__________
(1) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص30. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص373. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص593. (4) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص7. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص321، جـ3، ص50. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2ص427 - 428، جـ3، ص292. ابن حبيب: المحبر، ص110 - 111، البلاذري: الأنساب، جـ1، ص287، ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 72.