كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

103…أهداف تلك السرايا، إخضاع من يظهر تحدياً أو مقاومة لنفوذ الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة من القبائل العربية (1).
ولأن الخطر العظيم على الإسلام في المدينة كان يأتي من قبل قريش، لذا فقد وجهت ضدها حملات حربية مركزة استهدفت - بادئ الأمر - قطع رق تجارتها مع الشام (2)، ومع العراق (3). حتى حصرتهم تلك الحرب وأنهكت أموالهم (4). وقد أجبرهم ذلك على توقيع صلح الحديبية مع المسلمين (5)، والاعرتاف بسلطانهم في المدينة (6)، ثم انتهت تلك المجابهة بعد فتح مكة سنة ثمان، بإسلام جميع قريش (7). وعلى المستوى الدولي أو الخارجي بالنسبة لمنطقة نفوذ المدينة، وحدود الجزيرة العربية، بدأت مرحلة الاتصال بدول العالم، سياسياً، بإرسال الرسل إلى الملوك، يدعون إلى الإسلام. وكتب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتباً. واتخذ خاتماً من فضة وختم به تلك الكتب (8). وكان خرج ستة نفر منهم في يوم واحد، وذلك في المحرم سنة سبع (9). وبعد ذلك الاتصال بالعالم، تحولا في مجريات السياسة العالمية، لظهور سلطة منظمة في الجزيرة العربية لها من القوة والسلطان ما يجعلها تكاتب الملوك والعماء من منبر الدعوة والإرشاد. حتى أن بعض العرب - حينذاك - كانوا ينظرون إلى الرسول صلى الله عليه وسلم على أنه ملك يثرب (10)، وحامي العرب في الجزيرة، وملكهم (11).
التكيف في المجتمع المدني بالنسبة للمهاجرين:
كانت أولى الصعوبات التي واجهت المهاجرين، هي محاولتهم التكيف مع المناخ السائد في المدينة، والذي وإن كان لا يختلف كثيراً عن مناخ الجزيرة العربية، إلا أن كثرة الزراعة في المدينة وقلة الأيدي العاملة - فيما يبدو - وهي اللازمة لإصلاح التربة وتصريف المياه (12)، قد جعل من هواء المدينة - حينذاك - وبيئاً. فاشتكى المهاجرون من الحمى.…
__________
(1) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص435، جـ3، ص692، الواقدي: المغازي، ص4 - 5. (الطبعة الأولى). (2) الواقدي: نفس المصدر، ص11. (الطبعة الأولى). ابن كثير: البداية والنهاية، جـ3، ص241 - 248. (3) ابن كثير: نفس المصدر، جـ3، ص248 - 252. (4) الأصفهاني: الأغاني، جـ6، ص325. (5) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ4، ص855. الأصفهاني: المصدر السابق، جـ6، ص325. (6) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ4، ص855. (7) البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص41، ابن كثير: المصدر السابق، جـ4، ص164 - 169. (8) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص258 - 261، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص377، جـ3، ص411، 495. (9) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص258. (10) البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص258. (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص43. (12) ذكر أن المربد، الذي بنى على أرضه مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، كان فيه ماء مستنجل. فسيروه حتى ذهب، والمستنجل ممشى ماء المطر. (انظر: الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص343).

الصفحة 103