كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

106…كما حلت مشكلة النقص في وجود مساكن ملائمة لكثير من الشباب العزاب بإيجاد سكن خاص بهم كان يسمى بيت العزاب (1)، وقيل بيت الغرباء (2). ويقول ابن سعد: ونزل العزاب من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على سعد بن خيثمة (3). أما الصعوبات الاقتصادية، فقد كانت أعضل حلاً، وقد تمثلت في ضرورة توفر الطعام الكافي للمهاجرين. حيث كانت تمر على أهل المدينة أوقات لم يكن طعامهم فيها سوى التمر والماء، وأحياناً خبز الشعير (4). وهي أوقات كانت بمثابة الابتلاء والاختبار من الله تعالى لمعرفة قدرة المسلمين ومدىت حملهم. كما قال تعالى: "ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين (5) ". وقد أشرك الرسول صلى الله عليه وسلم، أهل المدينة في مسئولية العمل على تخفيف حدة ما كان يمر على المدينة من أيام يشتد فيها الجوع وتنقص الثمرات، وذلك حين نهى، في وقت من الأوقات، عن ادخار لحوم الأضاحي لأكثر من ثلاث ليال، وأمر بالتصدق بما بقي من لحومها (6)، وذلك من أجل مساكين قدوا المدينة، وقت الأضاحي، ورأى ضرورة كفالة معيشتهم وسد حاجتهم (7). ولما كثر الناس بالمدينة، قال الرسول (ص): "يرحم الله رجلاً كفانا قومه. فقام سبيع بن نضر فقال: من كان ههنا من مزينة فليقم، فقامت حتى خفت المجالس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله مزينة (8). "وقد أنب الرسول صلى الله عليه وسلم، صاحب احائط في المدينة، دخله أحد المهاجرين، وكان جائعاً، فأكل منه فضربه صاحب الحائط، فقال له الرسول (ص): "ما علمته إذ كان جاهلاً ولا أطعمته إذ كان جائعاً (9). ومع ذلك، فإن الصحابة كانوا يتفقدون بعضهم البعض، ولا يألون جهداً في سبيل تقديم ما يستطيعون تقديمه لإخوانهم إذا عرفوا حالتهم (20). كما أن معظم أصحاب النخيل، من أهل المدينة، كانوا يهبون شيئاً معلوماً من نخليهم، يعرف باسم العرايا، وهي قد تكون نخلة أو نخلتين (11).…
__________
(1) إسحاق: السيرة، جـ2، ص330، 341 - 342، ابن كثير: البداية والنهاية، جـ3، ص197. (2) الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص336. (3) الطبقات، جـ3، ص229. والعزاب أو العزب: يقال تعزب الرجل، ترك النكاح وكذلك المرأة. (انظر: ابن منظور: لسان العرب، جـ2، ص763). (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ3، ص703 - 704، ابن كثير: المصدر السابق، م2، جـ4، ص99 - 100، ابن النجار: الذرة، ص49 - 52. (5) البقرة: 155. (6) مالك: الموطأ، جـ2، ص484 - 485. (7) مالك: نفس المكان. (8) ابن خياط: الطبقات، ص64 - 65. ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص15. (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص265. (10) يروي أن رجلاً من الأنصار يكنى أبا شعيب قال لغلام له قصاب: أجعل لي طعاماً يكفي خمسة فإني أريد أن أدعو النبي، صلى الله عليه وسلم، خامس خمسة. فإني قد عرفت في وجهه الجوع، وقد فعل الغلام ما أمر به فدعاهم الرجل وشاركهم أحد الغرباء طعامهم فكفاهم جميعاً. (انظر: البخاري: الصحيح، جـ3، ص51). (11) البخاري: نفس المصدر، جـ3، ص66 - 67.

الصفحة 106