كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
107…وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، قد رأى أفضلية الحد من تدفق المهاجرين، لمواجهة تلك الصعوبات. فقد ذكر أنه حين قدم وفد مزينة، سنة خمس من الهجرة، وعددهم أربعمائة، جعل لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، الهجرة في دارهم. وقال: أنتم مهاجرون حيث كنتم فارجعوا إلى أموالكم، فرجعوا إلى بلادهم (1). وبعد فتح مكة أسقط الرسول صلى الله عليه وسلم، وجوب الهجرة إلى المدينة وقال: "لا هجرة بعد الفتح (2) ". بمعنى الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقفل باب الهجرة كلية، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم، في حديث آخر: "لا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار (3) أو كما قال: لا هجرة، ولكن جهاد ونية، فإذا استنفرتم فانفروا (4).
تضافر الجهود في العمل:
كان لتعدد الكفاءات والمواهب في المدينة على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ميزة عظيمة، حظيت بها دون سواها من المدن، مما أعطاها قدرة كبيرة على الحركة والتفاعل السريع مع الأحداث. وقد حرص الرسول صلى الله عليه وسلم، على توظيف جميع تلك الطاقات والاستفادة منها في مجالات خارجية وداخلية، تخدم أمور الدولة السياسية والاجتماعية. ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم في المجال السياسي، عند اختياره لمبعوثيه السياسيين إلى ملوك العالم، لم يقصر تلك المهمة في رجال قبيلة ما أو في قبائل معروفة، حتى ولو شهد لتلك القبيلة أو غيرها بالتجربة السياسية، كقريش (5)، أو ثقيف (6)، مثلاً. بل عمد صلى الله عليه وسلم إلى انتقاء رجاله من بين عدة قبائل منها قريش وضمرة، وكلب، ولخم، واسد خزيمة، وبجيلة، وحضرموت، وبني عامر وغيرهم (7). وقد أظهر أولئك المبعوثون، استعداداً جيداً لإنجاح مهامهم. فذكر أن كل رجل منهم أصبح يتكلم بلسان القوم الذي بعث إليهم (8).…
__________
(1) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص291. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص403 - 404. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص373. (4) أبو داوود: السنن، جـ3، ص7. (5) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص539. (6) انظر سليمان (حسين محمد): ثقيف من صدر الإسلام حتى سقوط الخلافة الأموية، (رسالة لنيل درجة الماجستير - كلية الآداب - جامعة القاهرة، 1972م)، ص30 - 35. (7) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص258 - 266، ابن حبيب: المحبر، ص75 - 76. (8) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص258.