كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

109…كان يعد صفوف أصحابه فمر بسواد بن غزية، وكان خرج عن الصف، فطعنه في بطنه بالقدح وقال: استو يا سواد. فقال: يا رسول الله أوجعتني. فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه في الحال فقال: استقد (1). ومن المظاهر العديدة الأخرى لتراط مجتمع المدينة، المشبع بروح التعاليم النبوية التي اعتبرت المؤمنين في توادهم وتراحمهم كالجسد الواحد، حرص الناس على إعادة المريض والدعاء له (2). وكان تبادل الهدايا، فيما بينهم، يعد تعبيراً عن مدى ما بينهم من محبة واحترام. ولم يكن ينظر إلى ثمن أو قيمة الهدية (3). وهي قد تكون لباساً (4)، أو فاكهة (5)، أو طعاماً (6). ومع أن يوم الخندق، كان يوماً عصيباً على أهل المدينة، لدرجة أنهم كانوا يشدون الحجراة على بطونهم من الجوع، أثناء حفر الخندق (7)، إلا أن ذلك لم يمكن يمنع الشخص منهم عن أن يقتسم مع رفاقه ما كان يأتيه به أهله من تمر أو خبز على قلته (8). وكان أحد الصحابة قد رأى ما برسول الله صلى الله عليه وسلم، واصحابه من أثر التعب والجوع فاستأذن إلى بيته وطلب من امرأته أن تذبح عناقاً صغيرة، كانت كل ما عندهم، وأن تعد ما بقي عندهم من خبز الشعير. ففعلت ثم أتى به وقدمه لرسول الله فأكل منه ودعى أصحابه عليه، ليأكلوا (9). وقد أصبح لدعوات الطعام والولائم في المجتمع المدني، معنى يعبر به عن المحبة والتقدير. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يلبي كثيراً من هذه الدعوات مع أصحابه (10). وكان أفضل شيء يقدمه صاحب البيت لزائره هو الطعام (11). وكان بعض الأنصار يحملون كل يوم قصاع الثريد إلى النبي صلى الله عليه وسلم يتناوبون ذلك بينهم، إلا سعد بن عبادة فإنه ما كان يقطع جفنته في كل ليلة إلى دار أبي ايوب فيدعو النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه فيأكلون (12).…
__________
(1) ابن كثير: البداية والنهاية، م2، جـ3، ص271. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص144، 488، جـ2، ص26، جـ3، ص241 - 242. (3) مالك: الموطأ، جـ2، ص907 - 908، 996، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص417، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 23. (4) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص43، 306، 417. (5) ابن قدامة: المصدر السابق، ورقة 23. (6) مالك: المصدر السابق، جـ2، ص996. (7) ابن كثير: المصدر السابق، م2، جـ4، ص99 - 100. ابن النجار: الدرة، ص49 - 52. (8) ابن كثير: المصدر السابق، م2، جـ4، ص99 - 100، ابن النجار: المصدر السابق، ص49 - 52. (9) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص703، ابن كثير: البداية والنهاية، م2، جـ4، ص97. (10) مالك: الموطأ، جـ1، ص153. ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص323. (11) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص368. (12) ابن النجار: الدرة، ص56.

الصفحة 109