كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

111…لحماية تجارة قريش الخارجية (1). وقد ذهب كستر إلى القول بأن فريقاً من رجال تميم كانوا يعدون ضمن سياسي مكة، يساهمون في إدارتها كما ساهموا في ازدهار نفوذها وهيبتها في المجتمع القبلي، وكان ذلك وفق نظام خاص، وذلك النظام هو نظام الحمس (2). والذي نراه، أن قريشاً كانت تحافظ على صلاتها مع بني تميم لما كان لهم من منزلة لدى الفرس، إذ كان لهم الحق في الانتجاع والميرة في بلاد الفرس (3) وقد شعرت قريش، بحاستها التجارية، أن من مصلحتها أن تكون علاقاتها مع فارس جيدة لضمان تجارتها بين الشام واليمن ولفتح أسواق فارس أمام تجارتها. وكما كان لتميم ذلك الدور في حياة قري، فإن غفاراً تعد إحدى القبائل التي كانت قريش، قبيل الإسلام، تحافظ على أن تظل العلاقات القائمة فيما بينهم، قوية وسلمية، حيث أن غفاراً كانت من طريق تجارة قريش إلى الشام (4). ومما سبق نرى أن علاقات قريش مع القبائل العربية، في الجاهلية، كانت تقوم - بالدرجة الأولى - على مصالح اقتصادية. وندلل أيضاً على ذلك، بما نجده عند دراسة محالفات قريش في الجاهلية. مثل حلفها مع الأحابيش، وهم بنو الارث بن عبد مناة بن كنانة، وبنو المصطلق، والحيا بن سعد بن عمر، وبنو الهون بن خزيمة. إذ نجد أن دوافع ذلك الحلف كانت الرغبة في دعم وقة قريش والحفاظ على هيبتها، لما لها من أهمية وثقل تجاري، في المنطقة (5). ويدخل في هذا الباب أيضاً، حلف الفضول. فقد ذكر أ من أسبابه أن لميس بن سعد البارقي، من الأزد، قدم مكة بتجارة له فاشتراها أبي بن خلف الجمحي ثم ظلمه، فتداعت قبائل قريش إلى حلف فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم، ممن دخلها من سائر الناس إلا أقاموا معه فكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته (6).…
__________
(1) ابن حبيب: المصدر السابق، ص264 - 265، كستر: مكة وتميم، ص17 (ترجمة الحبوري، بغداد، 1975م). (2) المرجع السابق، ص17. والحمس لغة: من فعل حمس الرجل في الدين، أي تشدد. والحمس: قبائل من العرب منهم قريش كلها، وخزاعة وكل من ولدت قريش من العرب، وكل من نزل مكة من قبائل العرب. وقد شددوا على أنفسهم في دينهم وخاصة في مناسك الحج. (انظر: ابن حبيب: المصدر السابق، ص179 - 180، وانظر أيضاً: المعجم الوسيط، جـ1، ص196). (3) ابن خلدون: تاريخ، جـ2، ص168 (تحقيق الأمير شكيب أرسلان). (4) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص62 - 64. (5) ويمكننا استخلاص ذلك من قول ابن حبيب: بأن الذي بدأ حلف الأحابيش رجل من بني الحارث بن عبد مناة بن كنانة، هبط مكة فباع سلعة له ثم أوى إلى دار من دور بني مخزوم فاستسقى، فخرجت إليه امرأة من قريش، فقال: هلا كنت أمرت بعض الحفدة؟ فقالت: تركنا بنو بكر نعاماً. فخرج الرجل حتى أتى بني الحارث بن عبد مناة فقال: يا بني الحارث أذلت قريش لبني بكر، فإن كان عندكم نصر فنصر. فقالوا: ادعوا أخوانكم بني المصطلق والحيا بن سعد بن عمرو. فركبوا إليهم فجاؤوا بهم، وسمعت بهم بنو الهون بن خزيمة فركبت معهم .. فخرجوا حتى اجتمعوا بذنب حبشي، وهو جبل بأسفل مكة على ستة أميال منها، فتحالفوا بالله قائلين: إنا ليد تهد الهد وتحقن الدم ما أرسى حبشي. (انظر: المنمق، ص275 - 277). (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ1، ص87، ابن حبيب: المنمق، ص343.

الصفحة 111