كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
119…
مقدمة عن مراحل التنظيم
ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم، لما نزل على كلثوم بن الهدم بقباء، بعد هجرته، نادى كلثوم غلامه نجيحاً، فتفاءل النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وقال: أنجحت ياأبا بكر (1). والعبارة التي جاءت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، توحي بما كان في ذهنه من عمل على توطيد أمر الإسلام وتأسيس كيانه في المدينة، وهو الذي لا ينطق عن الهوى. ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم - بمكة - كان رسولاً فحسب، ولكنه بعد أن انتقل إلى المدينة، أصبح كذلك رئيس دولة، يطبق ما يسنه الله من الأنظمة المالية والقانونية والإدارية والعسكرية (2). ومن أهم النظم التي أوجده الرسول في المدينة، تنظيم القبائل العربية، سياسياً واجتماعياً واقتصادياً (3). وقد قامت تلك التنظيمات في أساسها، على القبيلة كوحدة ريسية وفعالة في الناط العام، وخاصة في الأمور السياسية والحربية. وهذه التنظيمات كانت على شكل مراحل ثلاث، بدأت بصفة عامة، وكأنها مراحل انتقالية تتدرج بالقبائل العربية في نقلات معروفة ومدروسة، كان هدفها النهائي وضع العرب أمام مسئولية تاسيس الدولة الإسلامية (4). غير أنها كانت، في الواقع، تتداخل مع بعضها، حسب الظروف والأحوال. وذلك معناه أن الهدف من تطبيق تلك التنظيمات، بذلك الشكل، كان تعويد القبائل عليها، وجعلها في محل اختبار وامتحان، لمعرفة مدى تقبل المجتمع لها ولمراقبة رد الفعل لديهم (5). ومن أجل ذلك لم يصل إلى علمنا أن الرسل كان يفرض تلك الأنظمة ويلزم الآخرين باتباعها. وندلل على هذا، بما حصل من أحداث اجتهادية في غزوة ذات السلاسل سنة ثمان من الهجرة، حين أمر…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص552. (2) انظر: القرآن الكريم، في أماكن متفرقة وخصوصاً السور المدنية. وانظر أيضاً: على (سيد أمير): مختصر تاريخ العرب، ص18 (الترجمة العربية لعفيف البعلبكي، بيروت، ط2، ص1967م)، وانظر أيضاً: متولي (د. عبدالحميد): مبادئ نظام الحكم في الإسلام، جـ1، ص451 (القاهرة، 1966م). (3) للنسابة تعاريف عامة في تقسيمهم للقبائل، ومفردها قبيلة، ويقولون في ذلك: الشعوب هي الجماهير التي تفرقت منها العرب ثم تفرقت القبائل من الشعوب، ثم تفرقت العمائر من القبائل، ثم تفرقت البطون من العمائر، ثم تفرقت الأفخاذ من البطون، ثم تفرقت الفصائل من الأفخاذ. وليس دون الفصائل شيء. وفصيلة الرجل هي رهطه الأدنى وبنو أبيه. وقد قيل بعد الفصيلة: العشيرة، وليس بعد العشيرة شيء. (انظر: ابن عبد البر: الأنباه على قبائل الرواة، ص45). (4) متولي: مبادئ نظام الحكم في الإسلام، جـ1، ص448. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص253.