كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
120…النبي صلى الله عليه وسلم، عمرو بن العاص على بلى ونحوهم من قضاعة، ثم أمده بعدد من المهاجرين أمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح، فلما قدموا عليه قال: أنا أميركم. فقال المهاجرون: بل أنت أمير أصحابك وأبو عبيدة أمير المهاجرين. فقال: إنما أنتم مددي. فلما رأى ذلك أبو عبيدة، وكان حسن الخلق متبعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده. فقال: تعلم يا عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: إن قدمت على صاحبك فتطاوعا. وإنك إن عصيتني أطعتك (1). ولعل كلمة "فتطاوعا" الواردة في النص السابق، تغني عن التوضيح، فهي تبين طبيعة التعامل مع تلك الأنظمة وكيفية أو مقدار استجابة الناس للسير على منهاجها، كما أنها تظهر إلى أي حد كان تطبيقها مرناً. وقد عرضنا تلك التنظيمات - في هذا البحث - حسب التسلسل الزمني، ما أمكن ذلك، مع مراعاة ما سبق أن ذكر عن تداخل تلك المراحل مع بعضها. وعليه فإن المراحل التنظيمية التي ابتعت في التنظيم السياسي كانت على النحو التالي:
1 - التنظيم العشائري
وهو تنظيم قبلي يقدم البطون والأفخاذ والعشائر على أنها وحدات أو فصائل لها شخصيتها واعتبارها في المجتمع من خلال استقلالها الإداري التابع لسلطة الرسول صلى الله عليه وسلم (2). ويقصد من مرحلة التنظيم العشائري توزيع المهام والمسؤويات على العشائر، وتولي عدة أعمال ووظائف اجتماعية، لم يكن في مقدور الدولة في المدينة أن تقوم بها. بحكم حداثة تكوينها وانصرافها لأمور نشر الإسلام. وذلك التنظيم في طابعه العام، يعد تنظيماً اجتماعياً أكثر مما هو عسكري أو سياسي. وقد راعى ذلك التنظيم احترام أو مسايرة ما كانت عليه القبائل العربية من اعتزاز وافتخار بقبيلها وحمية له (3). ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يؤاخذ الناس - في هذه المرحلة - على حميتهم أو فخرهم بقومهم. ذكر أن عكرمة بن أبي جهل، قتل صخرا الأنصاري، فبلغ النبي فضحك. فقال الأنصار: يا رسول الله، اتضحك أن قتل رجل من قومك رجلاً من قومنا؟ فقال: ما ذاك أضحكني ولكنه قتله وهو معه في درجته (4). كما ذكر أن أحد الصحابة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ قال: لا، ولكن من العصبية أن يعينهم على الظلم (5).…
__________
(1) ابن حجر: نفس المكان. (2) ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال على المنبر: يا معشر المسلمين من يعذرني نم رجل بلغني أذاه في أهلي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيراً ... فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال: أنا أعذرك منه يا رسول الله، إن ان من الأوس ضربنا عنقه وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ18، ص91). (3) روى أن أحد الصحابة كتب لأهله في مكة يخبرهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة. وقد اعتذر هذا الصحابي - فيما بعد - بأن ليس لأهله عشيرة تدفع عنهم، فقبل عذره. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص300). كما روى أيضاً عن الرسول حديثاً يؤكد حقيقة وجود تلك الحمية، وتحكمها في سلوك معظم الناس، إن تتركها طائفة يفعلها آخرون. (انظر: مسلم: الصحيح، جـ2، ص644). (4) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص181. (5) ابن خياط: الطبقات، ص123 - 124.