كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
121…وقد ظلت روح التماسك بين المشتركين في النسب داخل العشيرة أو القوم، باقية إلى عصور متأخرة (1).
2 - التنظيم الجماعي
وهو تنظيم قام على اساس قبلي وديني، ويعد مرحلة ثانية في التنظيم القبي. وعرف هذا التنظيم بوسائله التي استهدفت أولاً الوصول إلى جمع عدة بطون أو عشائر ينتسبون إلى قبيلة واحدة، في تنظيم خاص، له استقلاله المحدود، كمرحلة أولية أو تمهيدية، وفي النهاية الوصول إلى جمع عدة قبائل تحت راية واحدة. ووظائف التنظيم الجماعي أو سوائل أكثر مساساً بالمصلحة العليا، وتمثلت في عمراة المسجد الجامع وعقد المؤاخاة والتنظيمات الحربية أو الرايات. ولقد كان أبرز إنجاز لهذا التنظيم، المستهدف إلغاء كل تمييز قبلي، هو جمع الأوس والخزرج تحت اسم واحد هو الأنصار، وسائر من هاجر إليهم بالمهاجرين (2). وتجد أن التنظيم الجماعي، إلى جانب كونه تنظيماً اجتماعياً، فهو في نفس الوقت تنظيم حربي أو عسكري، لاشتماله على ما عرف بتنظيم الرايات. وكان سعد بن أبي وقاص قد عمل، عند تقسيمه القبائل، في سكنى الكوفة بمثل ذلك التنظيم، في مرحلته الأولية، والتي سنتحدث عنها في موضوع عصبية ذوي الأرحام. إذ جمع بين القبائل المشتركة في النسب أو المرتبطة بروابط القربى في خطة واحدة من خطط الكوفة المعروفة بالأسباع (3).
3 - عصبية الموطن أو الأرض
وهذا التنظيم هو قمة النضج والاكتمال في تلك التنظيمات. ويمزته أنه كان، في ظاهره، تنظيماً قبلياً تغلب عليه النزعة الدينية وحب الأرض. ويعتمد على صهر الوحدات الجماعية، أي مجموع القبائل، في بوتقة واحدة توجه كل اهتمامها وعصبيتها لحب الأرض التي يعيشون عليها ويمارسون فوقها نشاطهم الديني والعلمي والثقافي، وغير ذلك من أمور الحياة. ويعد الفصل الثاني في هذا الباب وهو تخطيط المدينة ومنازل القبائل فيها، تكملة للحديث عن التنظيم الإداري والاجتماعي للقبائل، إذ أنه يتعرض لذكر خطط القبائل ومنازلها من وجهة نظر إدارية واجتماعية في نفس الوقت. كما يتناول البحث الأسس التي بنى عليها توزيع القبائل في المدينة.…
__________
(1) فلهاوزن (يوليوس): تاريخ الدولة العربية، ص3 - 4 (الترجمة العربية لمحمد أبو ريدة، القاهرة، 1958م). (2) علي (سيد أمير): مختصر تاريخ العرب، ص18 (الترجمة العربية لعفيف البعلبكي، بيروت، ط2، 1967م). (3) انظر: الطبري: تاريخ، جـ4، ص45، ماسنيون: خطط الكوفة، ص10، الزبيدي (د. محمد حسين): الحياة الاجتماعية والاقتصادية في الكوفة، ص42 - 43 (القاهرة، 1970م).