كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
122…
1 - التنظيم العشائري
أ- وظائف التنظيم العشائري
ألمحنا في المقدمة عن التنظيم الاجتماعي والإداري أن من الأهداف الرئيسية للتنظيم العشائري، هو إشراك القبائل في مسؤوليات الدولة للقيام بعدة أعمال ووظائف كان يتعذر على الدلة - حينذاك - الاضطلاع بها وحدها، خصوصاً وأنها في مراحل تكوينها. ومن أهم وظائف التنظيم العشائري، حصر القبائل بالحفاظ على انتنماءاتها وأنسابها. وهناك أحاديث تروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم تحث على الاهتمم بالنسب، والحفاظ عليه. منها قوله صلى الله عليه وسلم: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم (1). وذكر أن الأشعث بن قيس قال: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفد كنده فقلت: ألستم منا يا رسول الله؟ فقال: لا. نحن بنو النضر بن كنانة لا نقفوا أمناً ولا ننتفي من أبينا (2) ". وفوق كل ذلك ما ذكره الله تعالى، مبيناً الحكمة في تقسيم الناس إلى شعوب وقبائل (3). وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يهتم بمعرفة أعداد القبائل وأحوال أهلها (4). فكان يسأل الناس عنهم، على علمه بهم. ذكر أن صعصعة بن ناحية المجاشعي، دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف علمك بمضر؟ قال: يا رسول الله أنا أعلم الناس بهم. تميم هامتها وكاهلها الشديد، الذي يوثق به يوحمل عليه، وكنانة وجهها، الذي فيه السمع والبصر، وقيس فرسانها ونجومها وأسد لسانها. فقال النبي (ص): صدقت (5). وقد جزأ الرسول صلى الله عليه وسلم، الولاية على القبيلة، فكان يولي على العشيرة (6). مما يجعلنا نعتقد أن الرسول أراد بذلك تحديد المسئوليات وحصرها في وحدات صغيرة لتسهل معرفة جميع أحوال القبائل وسائر شئونها العامة والخاصة، بالإضافة إلى أن تعدد الزعامات سيخلق روح المنافسة في المجال الدينين، بين العشائر لاستباق صالح الأعمال والخيرات العائد نفعها - ولا ريب - على المجتمع كله. ولقد أثمرت تلك الخطة الحكيمة، فكان من ذلك أن شاعر جهينة عام الفتح جعل معرض افتخاره بين القبائل، في الإطار الإسلامي وحدوده، حيث افتخر بما قدمته جهينة من عمل لنصرة الإسلام والجهاد دونه (7). وكانت همدان…
__________
(1) ابن عبد البر: الأنباه على قبائل الرواه، ص42 - 43. (2) ابن عبد البر: نفس المصدر، ص66 - 67. (3) قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات: 13. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص662. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص186. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص559. (7) يقول بشرة بن عرفطة بن الخشاش الجهني: ونحن غداة الفتح عند محمد **** طلعنا أمام الناس ألفاً مقدماً (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص152).