كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
123…حين علمت بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم همت بالخروج على سلطة المدينة، فنهاهم مران الهمداني، فقال: يا معشر همدان إنكم لم تقاتلوا رسول الله ولم يقاتلكم فاصبتم بذلك الحظ، ولبستم العافية، ولم يعمكم بلعنة أوائلكم أو تقطع دابركم. وقد سبقكم قوم إلى الإسلام وسبقتم قوماً، فإن تمسكتم لحقتم من سبقكم وإن أضعتموه لحقكم من سبقتموه. فأجابوه إلى ما أحب (1). وكان من مزايا التنظيم العشائري، أن باستطاعة السلطة أو الدولة أن تعرف جميع أفراد العشيرة وتتصل بهم عن طريق كبيرهم أو عريفهم. وقد استغلت تلك الميزة، في دعوة القبائل إلىالإسلام، حيث كان الرسول يكتب لواحد من أبناء العشيرة، حين يقدم عليه بإسلامه، يؤمره على قومه (2)، يدعوهم إلى الإسلام (3). وقد أسلم على أيدي أولئك المراء، كثير من البطون والعشائر (4). وبالإضافة إلى سهولة انتشار الإسلام بين تلك الوحدات الصغيرة، فقد كان انتشار العلم ودراسة القرآن والسنة بينهم أكثر سهولة. وقد تولى ذلك الأمر أئمة المساجد، وكان اختيارهم - في الغالب - من أبناء العشيرة (5). وكانوا يقرءونهم القرآن ويشرحون لهم مبهمه (6). وقد عمل بعضهم على التعمق في دراسة القرآن وجمعه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (7). وبالإضافة إلى جهود أئمة العشائر والقبال، كان في المدينة عدد كبير من كبار الصحابة عملوا على نشر العلم والفقه بين الناس، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وعبدالله بن عوف وعبدالله بن مسعود وغيرهم (8). وكان للمسجد دور عظيم في توجيه حياة القبائل. حيث كان لكل بطن، أو عشيرة مسجد، ينسب إليها (9)، تؤدي فيه شعائر دينها، وتناقش فيه أمورها الدينية والدينية. وقد ذكر أن معاذ بن جبل، كان إمام قومه في حياة النبي…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص488. (2) البخاري: تاريخ، جـ3، ص277. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص267 - 268. (4) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص60، جـ2، ص26، 225 - 26، 267 - 68. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص354 - 55، 452، جـ3، ص33 - 34. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص499، جـ3، ص291، 33 - 34. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص366. (8) ابن سعد: الطبقات، جـ2، ص335 - 43. (9) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص499، جـ3، ص387، الكلاعي: الاكتفاء، جـ1، ص460، السمهودي: الوفاء، جـ2، ص757.