كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
125…وقد أبقى الرسول صلى الله عليه وسلم - شكلياً - على النظم القبلية الاجتماعية والعسكرية، فكان لكل عشيرة أو رهط - حسب كثرتهم - راية أو لواء (1)، أو رايتان (2)، أو راية ولاء (3)، أو لواءان (4)، أو أربعة ألوية (5). وكان يحمل كل راية، أو أكثر، زعيم أو عدة زعماء، حسب عدد الرايات، وكان لأولئك الزعماء كامل الحرية في تصريف أمورهم، إلا فيما يتعارض مع خطة المعركة العامة (6). وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أفراد العشيرة فيمن يحمل رايتهم (7). ولكل عشيرة شعار، ينادون به في الحرب ويعرفون به (8). أما عن تجهيز العشيرة أثناء الحرب، فهو أمر ملقى على عاتق أفرادها أنفسهم، فكان على الرجل، عرفا، أن يعد سلاحه ويرطب خيله في سبيل الله (9)، ويؤمن طعامه وشرابه (10). ولم يأمر الرسول الناس بأن يجهزوا أنفسهم، إلا عام تبوك، وكان عام عسرة ومحل، وقد سمى ذلك الجيش بامس جيش العسرة (11). فقد حض الرسول صلى الله عليه وسلم، أهل الغنى - في ذلك العام - على النفقة والحملان في سبيل الله. فأنفق عثمان بن عفان في ذلك نفقة عظيمة، لم ينفق أحد مثلها، تقدر بألف دينار (12). ولم يفرض الإسلام على المؤمنين أن ينفقوا أموالهم في سبيل الله - بادئ الأمر - إلا أننا نجد في القرآن الكريم ثناء على من يفعل منهم ذلك، ووعدهم أجرهم عند ربهم (13). وفي بعض الآيات ورد أمر من الله للمسلمين بأن ينفقوا في مغازيهم، في سبيل الله (14).…
__________
(1) النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص203، ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص61، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص452، جـ3، ص237، 247، 344، جـ4، ص416، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة رقم 15، 29، 36. (2) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص446. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص26 - 27، جـ4، ص101 - 102. (4) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص164، 247، جـ3، ص565. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص499، 565، جـ2، ص99، 280، 439. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ4، ص926، النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ2، ص243، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص425، 561. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص304. (8) يذكر أنه حين بعث الرسول صلى الله عليه وسلم طلحة، سرية في عشرة. قال: شعاركم، "يا عشرة". (انظر: ابن عسد: الطبقات، جـ3، ص219، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص351). (9) مالك: الموطأ، جـ2، ص444 - 445. (10) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ3، ص703. (11) ابن إسحاق: نفس المصدر، جـ4، ص945. (12) ابن إسحاق: السيرة، جـ4، ص945. (13) قال تعالى: "الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا مناً ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يخزنون". البقرة: 262. والإنفاق في سبيل الله يعني هنا. إعانة المجاهدين في سبيل الله بالإنفاق عليهم وفي حمولاتهم وغير ذلك من مؤنهم. (انظر: الطبري: جامع البيان، جـ3، ص62). (14) قال تعالى: "وانفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين". البقرة: 195، وانظر أيضاً: الطبري: المصدر السابق، جـ2، ص200 - 201.