كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

126…وكانت أعطيات المقاتلة - بادئ الأمر - عبارة عن ما يحصلون عليه من طرق الأسلاب والأنفال. ذكر أن منادي الرسل صلى الله عليه وسلم، يوم بدر، نادى في الناس: "من قتل قتيلاً فله سلبه، ومن أسر أسيراً فهول له. وأمر بما وجد في العسكر وما أخذوا بغير قتال فقسمه بينهم (1) ". ويعد أمر جباية الصدقة وشؤون المعاقلة، من أجل الوظائف الاجتماعية للتنظيم العشائري. فالعشيرة هي المسئولة عن جباية صدقتها وذلك عن طرق استعمال أحد أبنائها على ذلك (2) أو استعمال من يمت لها بصلة قرابة، كابن الأخت (3). وهو في رأينا تدبير محكم ورشيد (4)، لأنه جعل من المستبعد حدوث تذمر قبلي بسبب جباية الصدقة، على اعتبار أنهم لم يعتادوا بعد على دفعها، ممايجعلهم ينظرون إليها، على أنها نوع من الضريبة أو الأتاوة. أما وقد كان الجابي أحد أبنائها فلم يبق في الأمر ما يمس الكرامة أو يثير الحفيظة. ثم إن استعمال أحد أبناء القبيلة يعتبر أمراً مفيداً جداً للقبيلة نفسها ولبيت مال المسلمين. إذ أن الجابي في هذه الحالة، يفترض فيه معرفته لكل فرد في العشيرة، مما يبعد إمكانية حصول ظلم على الفقراء أو محاباة الأغنياء، وذلك لانتفاء عامل الجهل أو قلة الفطنة، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد كتب لخزيمة بن عاصم ابن قطن العكلي، حين ولاه على صدقات قومه، يذكره فيه ألا يظلم أو يضيم أحداً، بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله لخزيمة بن عاصم، إني بعثتك ساعياً على قومك فلا يضاموا ولا يظلموا (5) ". وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعمل على صدقات القبيلة، كلما كانت كثيرة العدد، أكثر من عامل (6). وكما أن القبيلة ملزمة عرفياً برعاية أرادها (7). كذلك ألزم دستور المدينة، جميع العشائر، أن يتعاقلوا بينهم معاقلهم الأولى، وهم يفدون عانيهم بالمعروف (8). ومن أجل ذلك فإن الذي نرجحه حول دواعي إسناد أمر جباية الصدفة إلى العشيرة، هو للتيسير عليها في الشئون المالية بعد أن أسندت إليها مسؤولية المعاقلة، أي دفع الديات عن أبنائها المعسرين (9). وقد ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى بامرأتين كانتا عند رجل من هذيل يقال له حمل بن مالك، فضربت…
__________
(1) الواقدي: المغازي، ص73 (الطبعة الأولى). (2) النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص193. ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص251، 301، 355، جـ2، ص66، 298، جـ3، ص27 - 28، 400، 615، جـ4، ص108، 109. (3) استعمل النبي صلى الله عليه وسلم، يزيد بن أبي سفيان بن صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، على صدقات بني فراس، وكانوا أخواله. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص656 - 657). (4) وقد سار على هذا الأمر عمر بن الخطاب، في خلافته إلى درجة أنه استعمل على صدقات طيء، أبو زيد الطائي، الشاعر وكان نصرانياً. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص80). (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص428. (6) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص90، 136، 187، الأصفهاني: الأغاني، جـ14، ص66 - 72. (7) ذكر أن طلحة بن عبيد الله التيمي، وكان كثير الغنى، كان لايدع أحداً من بني تيم، عائلاً، إلا كفاه مؤنته ومؤنة عياله، وزوج أياماهم وأخدم عائلهم وقضى دين غارمهم. (انظر: ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص221). (8) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص348 - 349. (انظر نص الدستور كاملاً في الملاحق). (9) ابن إسحاق: نفس المصدر، جـ2، ص348 - 351، ابن حجر: الأصابة، جـ2، ص535، جـ3، ص27 - 28.

الصفحة 126