كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

127…إحداهما الأخرى بعمود خباء فألقت جنينها ميتاً. فأتى مع الضاربة أخ لها يقال له عمران بن عويم، فقضى عليه رسول الله بالديه. فقال عمران: يا نبي الله إن لها اثنين (أي ولدين) هما سادة الحي، وهما أحق أن يعقلا عن أمهما. قال: أنت أحق أن تعقل عن أختك من ولدها. فقال: يا نبي الله مالي شيء أعقل منه. عندئذ قال النبي (ص): يا حمل، وكان على صدقات هذيل، اقبض من تحت يدك من صدقات هذيل عشرين ومائة شاه. ففعل (1). وإلى جانب قيام العشيرة بأمر المعاقلة كانت تتكفل برعاية أفرادها في حالات عسرهم (2)، متأسية بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "ألا كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته (3) ". وقد تطلب وجود كل تلك المهام المناطة بالعشيرة، ضرورة وجود عريف أو سيد توكل إليه مهمة رئاسة العشيرة لضمان تنفيذ تلك المهام. ب- رئاسة التنظيم العشائري وعمل النقيب كان على كل عشيرة في المدينة المنورة، عريف أو سيد، وهو دون الرئيس يختاره الرسول صلى الله عليه وسلم ويعينه بنفسه أحياناً (4). ذكروا أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل بني سلمة، من الأنصار، من سيدكم؟ فقالوا: الجد بن قيس، على بخل فيه. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم وأي داء أدوا من البخل، بل سيدكم الجعد الأبيض (5). ومن ذلك نرى أن اختيار عريف العشيرة أو سيدها كان يتم من قبل العشيرة نفسها، وقد يربشحه الرسول صلى الله عليه وسلم ويعينه (6). وتلك الحالة متبعة بشكل واضح في عشائر المدينة. أما إذا كانت القيلة أو العشيرة خارج المدينة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يختار بنفسه العامل، وهو اللفظ المستعمل في تلك الحالة (7). وقد يضيف الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مهام العامل أمور الحرب وجباية الصدقة (8)، وأحياناً تفصل أمور الولاية أو العالة، عن أمر جباية الصدقة والحرب. فقد ذكر أن سعير بن خفاف التميمي، كان…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص27 - 28. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص99، جـ3، ص657 - 658. (3) مسلم: الصحيح، جـ3، ص1459. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص496، 251، الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 74. وقد ظلت لفظة عريف تستعمل في زمن الحجاج. (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص181). (5) قيل إن المراد بالجعد الأبيض، عمرو بن الجموح، وقيل بشر بن البراء. (انظر: ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص316، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 31، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص529. (6) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص316، ابن قدامة: المصدر السابق، ورقة 31، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص251، جـ2، ص529. (7) ابن عبد البر: الاستيعاب، (هامش كتاب الإصابة، جـ1)، ص107. (8) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص206 - 207.

الصفحة 127