كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

129…النقباء تنحصر في كونهم كفلاء على قومهم بما كان منهم، ككفالة الحواريين بعيسى بن مريم (1). أو كما ذكر ابن إسحاق قول الرسول (ص): "أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم، وأنا كفيل على قومي" يعني المسلمين (2). وذلك يدلل على أن همة النقيب كانت الإنابة عن العشيرة في عقد وحل الأمور، وأنه بمثابة الضامن والشاهد عليهم (3). ولذلك لما مات أبو إمامة أسعد بن زرارة، وكان نقيب بني النجار، قالوا لرسول الله: اجعل منا رجلاً مكانه، يقيم من أمرنا ما كان يقيم (4). ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم، لما أراد أن يؤكد بيعة السبعين، من أهل العقبة، اكتفى بمبايعة النقباء وحدهم. وكان المفروض أن يبايع الجميع لولا الرغبة في زيادة الحذر لأن الأمر كان سراً عن كفار قريش (5). وذكر أن أم عمارة قالت: رجعنا من بيعة العقبة إلى رجالنا فلقينا رجلين من قومنا وهما سليط بن عمرو وأبو داوود المازني، يريدان أن يحضرا البيعة، فوجدا القوم قد بايعوه، فبايعا بعد ذلك، أسعد بن زرارة، وكان رأس النقباء (6). وكان ذلك تطيبقاً عملياً لمهام النقيب الرئيسية التي توخاها الرسول صلى الله عليه وسلم، حين نقبهم، بأن يكونوا كفلاء على قومهم بما كان منهم، فبايعوا الناس في المدينة على الإسلام باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين نقبهم، بأن يكونوا كفلاء على قومهم بما كان منهم، فبايعوا الناس في المدينة على الإسلام باسم رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومما يؤكد أن مهمة النقباء كانت تمثيل الرسول في المدينة والإنابة عن العشيرة عند الرسول، ما رأيناه من عدم تنقيب نقباء جدد بعد نقباء أهل العقبة، دبليل أنه لما توفى أسعد بن زرارة، والمسجد يبني، أي في الأشهر الأولى للهجرة (7)، جاء بنو النجار إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد مات نقيبنا فنقب علينا. فقال الرسول (ص): أنا نقيبكم. ولم ينقب عليهم أحداً (8). ونخلص من ذلك كله إلى أن التنظيم العشائري في مجتمع المدينة كان عبارة عن مؤسسة قبية، تقوم بعدة مهام تخدم العشيرة كوحدة من وحدات المجتمع. ومهام العشيرة كانت تنحصر في الأمور الاجتماعية الممثلة في رعاية أفراد العشيرة وتفقد أحوالهم، وتمتد إلى الأمور الدينية القائمة على نشر الإسلام والعلم، بين العشيرة، وإلى النواحي المالية مثل جباية الصدقة وصرفها على مستحقيها، وإلىالنواحي العسكرية أو التعبئة العامة، بجمع العشيرة تحت راية واحدة. كما نستخلص مما سبق ذكره، أن عريف العشيرة أو سيدها، كان ينتخب من أبناء العشيرة نفسها، ويكون العريف - عادة كما أشرنا - ممن حاز على عدة خلال ومناقب حميدة، أهلته للرئاسة. وأن وظيفة النقيب كانت مهمة وقتية تلاشت قيمتها بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى المدينة. لأن النقيب إنما كان كفيلاً على قومه، بأخذ بيعتهم على الإسلام وإيواء الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه ونصرتهم في المدينة.…
__________
(1) أبو القاسم: المبعث والمغزى، ورقة 58 (مكتبة كوبريلي، استانبول). (2) السيرة، جـ2، ص305. (3) الطبري: جامع البيان، جـ6، ص148. (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص354. (5) ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 65. (6) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص72، جـ4، ص58. (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص353 - 354. (8) ابن إسحاق: نفس امكان، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 11.

الصفحة 129