كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

133…
ثانياً: المؤاخاة
بدأ تنظيم المؤاخاة في السنة الأولى من الهجرة، بعد خمسة اشهر أو ثمانية من قدوم النبي (صلى الله عليه وسلم) المدينة (1). على أن المتفق عليه أن المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، كانت قبل معركة بدر (2)، حيث دعا الرسول صلى الله عليه وسلم، أصحابه من المهاجرين والأنصار إلى اجتماع في مسجد المدينة، حدد فيه أسماء نخبة من المسلمين (3)، قبيل إنهم تسعون، وقيل بل مئة (4). وهناك روايات أخرى تذكر أن جملتهم ثلاثمائة (5). وذكر أنهم كتبوا في أمر المؤاخاة كتاباً، في دار أنس (6). وبين الرسول لهم، أثناء ذلك الاجتماع، أنه اصطفاهم وأحب أن يؤاخي بينهم (7). وكانت صفة صحة عقد المؤاخاة، تتم بأخذ أحد الأخوين، الذين عينهما الرسول صلى الله عليه وسلم، بيد الآخر مرددين أنهما أخوان في الله (8). وترتب على تلك الأخوة الإسلامية حقوق ميزتها عن اخوة ذوي الأرحام، وسمت بها كثيراً. فالأخ في الله هو المقدم على ذوي الأرحام في الميراث (9)، إذ كانوا يتوارثون بهذا الإخاء في ابتدائه، إرثاً مقدماً على القرابة (10). والواقع أن ذلك البند الخاص بالميراث، كان يتعارض _شكلاً - مع الأعراف والتقاليد السائدة، حينذاك. ولذلك لم يدم كثيراًإذ أعقبه نزول آية المواريث ناسخة له بقوله تعالى: "والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ... الآية" (11).…
__________
(1) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 11. وقد سبق تلك المؤاخاة، التي عقدت بين المهاجرين والأنصار، مؤاخاة بين المهاجرين أنفسهم. (انظر: ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص238، وابن سيد الناس: عيون الأثر، جـ1، ص199، مجهول: المصدر السابق، ورقة 12). وكانت هذه المؤاخاة بين المهاجرين على نطاق محدود ولم تفرض على الجميع. (انظر ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص351، ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، في أماكن متفرقة). ويعتقد أن النبي، صلى الله عليه وسلم، لم يؤاخ بين المهاجرين بعضهم لبعض، إلا بعد قدومه المدينة. (انظر: ابن سعد: نفس المصدر، جـ1، ص238). والذي نميل إلى ترجيحه، هو أن المؤاخاة، بين المهاجرين، ربما أنها حصلت قبل الهجرة - بشكل نظري - ولم يعرف أمرها إلا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة. (2) ابن سعد: نفس المكان، ابن حبيب: المحبر، ص71 - 72. (3) الحلبي: السيرة الحلبية، جـ2، ص96 97. (4) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص238، مجهول: المصدر السابق، ورقة 11. (5) العمري: بهجة المحافل، جـ1، ص169. (6) مجهول: المصدر السابق، ورقة 11. (7) الحلبي: المصدر السابق، جـ2، ص96 - 97. (8) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص351، ابن كثير: البداية والنهاية، جـ3، ص226. ويذكر ابن إسحاق هذه الصفة بقوله: وآخى رسول الله بين أصحابه من المهاجرين والأنصار فقال، فيما بلغنا ونعوذ بالله أن نقول عليه ما لم يقل: تآخوا في الله أخوين أخوين. ثم أخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: هذا أخي". (انظر: المصدر السابق، جـ2، ص351). (9) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص238، ابن حبيب: الحبر، ص71. (10) المقريزي: إمتاع الأسماع، جـ1، ص50. (11) الأنفال: 75.

الصفحة 133