كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

135…وقد جمعت الصفة العلمية والفقهية، بين مصعب بن عمير بن هاشم وبين أبي أيوب. إذ كان مصعب أول من بعثه الرسول صلى الله عليه وسلم، مع أصحاب العقبة من الأنصار، إلى المدينة، ليفقههم في الدين (1)، وكان يسمى المقرئ بالمدينة (2). أما أبو أيوب، فقد كان، بحكم نزول الرسول عليه، أول مقدمه المدينة، كثير الاهتمام بسماع أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، ولذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن كثير من الصحابة (3). وكذلك نجد أن سلمان الفارسي، قد اشترك مع أبي الدرداء عويمر بن ثعلبة في الاهتمام الفقهي والعلمي، ويبدو أنه قد كان بينهما تنافس شريف وكبير لتنمية تلك الصفة، لاستحصال أكبر قدر ممكن من العلم والفقه. ونستنتج ذلك من ممازحة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأبي الدرداء بقول: "سلمان أفقه منك" (4). ومن أمثلة الاتفاق في الطباع المتآخين، ما يجده الباحث في مؤاخاة عبدالرحمن بن عوف، وسعد بن الربيع. فهما مجبولان على الكرم ومحبان للبذل في وجوهه. حتى أنسعد بن الربيع، وكان أكثر الأنصار مالاً، عرض على عبد الرحمن، بعد أن آخى الرسول بينهما، أن يقاسمه ماله (5). فأبى عبد الرحمن بن عوف أن يأخذ منه شيئاً. مدللاً على كرمه وامتلاء قلبه بالقناعة، وقال: دلني على سوق المدينة (6). وكان له ما أراد، فعمل بالتجارة حتى كثر ماله، فتصدق بشطره في سبيل الله، وكان ذلك المال يحمل على خمسمائة فرس مع أربعين ألف درهم (7). أما الزبير بن العوام وسلمه بن سلامه بن وقش فكانا شجاعين وجريئين وكثيراً ما انتدبا للمهمات الصعبة في الحروب (8). وصفة الشجاعة والفتوة يجدها الباحث أيضاً تجمع بين كل من علي بن أبي طالب (9)، وسهل بن حنيف، ولعل أبرز مثال عليها فدائية على ليلة هجرة الرسول حين رقد في فراشه غير عابئ بما كانت قريش تبيته لصاحب ذلك الفراش (10). وقد كانت لسهل بن حنيف مواقف بطولية وفدائية في الذب عن الرسول صلى الله عليه وسلم (11). وقد بلغ من جرئته في الأيام الأولى للهجرة، أنه إذا أمسى، عدا على أوثان قومه فكسرها غير عابئ بما يتربص به (12).…
__________
(1) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص421. (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص296. (3) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص405. (4) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص362. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص26. (6) ابن كثير: البداية والنهاية، جـ3، ص227 - 228. (7) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص416. (8) النووي: تهذيب الأسماء واللغات، جـ1، ص195، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص545 - 546، جـ2، ص65. (9) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص23. (10) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص333. (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص87. (12) الطبري: تاريخ، جـ2، ص382.

الصفحة 135