كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

136…وكما أخذ العامل النفسي والفكري في الاعتبار، لما لذلك من أثر كبير في تعزيز الصلة وتقويتها بين المتآخين، كذلك روعيت ناحية التكافؤ في السلم الاجتماعي والوظيفي لإبعاد الوحشة بين المتآخين بسبب ما قد يظهره أحدهما من أنفه بحكم تفوقه أو علو مكانته الاجتماعية. لذلك نجد أن الرسول صلى الله عليه وسلم، حين آخى بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك الخرزجي، راعى ناحية التكافؤ تلك وأخذ بعين الاعتبار منزلتهما الاجتماعية، فكان عمر، وهو أمير المؤمنين - فيما بعد - الرجل المقدم في قومه، وكان إليه السفارة في الجاهلية (1). أما عتبان بن مالك فقد كان إمام قومه بني سالم (2). وروعي التكافؤ الاجتماعي كذلك، عند المآخاة بين أبي عبيدة الجراح، وهو من السابقين ومن علماء الإسلام وأمين الأمة (3)، وسعد بن معاذ، وكان سيد الأوس والمطاع فيهم، وإسلامهم تم على يديه (4). وتتجلى تلك المراعاة بوضوح أكثر، عند الموآخاة بين عمار بن ياسر، حليف بني مخزوم وأمه مولاة لهم (5)، وبين حذيفة بن اليمان، حليف بني عبد الأشهل (6). وكذلك نجد أن حاطب بن أبي بلتعة اللخمي، وحليف بن أسد من قريش (7). آخى الرسول صلى الله عليه وسلم، بينه وبين عويم بن ساعدة البلوي، وحليف بني أمية من الأوس (8). أما بلال بن رباح، وكان عبداً حبشياً، فقد آخى الرسول صلى الله عليه وسلم، بينه وبين أبي رويحة عبدالله بنعبدالرحمن الخثعمي، وقد كان مملوكاً، فاعتق (9). أما وقد استعرضنا، نظام الموآخاة، بدايته وأهدافه، فإن هناك نقطة جديرة بالبحث يحسن بنا تتبعها، وهي تتعلق باستمرارية الموآخاة وانقطاعهغ. ومن خلال دراستنا عن الموآخاة، رأينا أنها قد انقطعت كنظام قانوني. ذلك أننا لم نعد نسمع با، الرسول صلى الله عليه وسلم، قد أمر أو ألزم اثنين بأن يتآخيا، وخاصة بعد يوم بدر (10).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص518 - 519. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص452. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص352، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص252. (4) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص352، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص37. (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص512. (6) ابن عبد البر: الاستيعاب (هامش كتاب الإصابة، جـ1)، ص277، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص317. (7) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص352، ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص300. (8) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص44. وعويم، بصيغة التصغير، ليس في آخره راء: قيل إنه من بني أمية من الأوس، وقيل أنه بلوي حالف بني أمية من الأوس. (انظر: ابن حجر: نفس المكان). (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص72. (10) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص238، مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 12.

الصفحة 136