كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

137…وقد ذكر ابن حجر أن عوف بن مالك أسلم عام خيبر، وآخى النبي بينه وبين أبي الدرداء (1). وذكر أيضاً أن ربيعة بن السكن قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، وهو يؤاخي بين الناس فآخى بينهم وبقيت. فقدم رجل من الحبشة فآخى بيني وبينه. وقال: أنت أخوه وهو أخوك (2). والمعروف أن قدوم مهاجري الحبشة كان عام خيبر، سنة سبع من الهجرة تقريباً (3). ويبدو أن موآخاة كل من عوف بن مالك مع أبي الدرداء، وموآخاة ربيعة بن السكن مع المهاجر الذي قدم من الحبشة، ربما قد حصلت بناء على طلب منهم أنفسهم وبعد إلحاح كبير، إذ لم يكن هناك إلزام أو أمر من الرسول صلى الله عليه وسلم، بأن يتآخوا. إنما الذي يمكن ترجيحه، هو أن الموآخاة قد استمرت كسنة، يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها، وذلك بعد نسخ أساسها، المعتمد على أن يرث الأخ أخاه في الله بعد الممات (4)، بنزول آية المواريث بعد وقعة بدر (5). فنسخ التوريث كبند من بنود الموآخاة، لا يعني انقطاعها، بمعنى أن المتآخي في الله، غير ملزم بأن يورث أخيه، وإلا فإن له مطلق الحرية إذا أراد أن يوصي إلى أخيه بعد وفاته، كما أصى حمزة بن عبدالمطلب، يوم أحد إلى زيد بن حارثة، حين حضر القتال (6). ثم أن عمر بن الخطاب في عهده، حين دون الدواوين بالشام، قال لبلال بن رباح، وكان قد خرج إلى الشام فأقام بها مجاهداً: "إلى من تجعل ديوانك يا بلال؟ قال: مع أبي رويحة، لا أفارقه أبداً للأخوة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، عقد بينه وبيني. فضم إليه وضم ديوان الحبشة إلى خثعم، لمكان بلال منهم (7) ". وذلك يعني أنه حتى عهد عمر كان للموآخاة منزلة معتبرة وإن لم يكن هناك إلزام باتباعها أو فرضها. وقد نحا بعض المؤرخين المسلمين، إلى الاعتقاد بأن الغرض من الموآخاة، كان تحقيق منافع اقتصادية لمواجهة الضائقة المالية التي كان عليها المهاجرون بعد هجرتهم إلى المدينة (8). والذي يبدو لنا، ونرجحه في نفس الوقت، أن الرسول، لم يكن في حاجة إلى وجود من يلتزم بمصالح أصحابه من المهاجرين، لأنه سبق أن أكد على تلك الناحية، في بيعة العقبة الأخيرة، وجعل الالتزم بمصالح أصحابه شرطاً لصحة عقد البيعة، حيث جاء فيه: "اشترط لربي أن تعبده ولا تشركوا به، واشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأهليكم، واشترط لأصحابي المؤاساة في…
__________
(1) المصدر السابق، جـ3، ص43. (2) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص508 - 509. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص774، 791، 818، 21. (4) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص22. (5) قال تعالى: "والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم، فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .. الآية". الأنفال: 75. (6) ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، ص9. (7) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص353. (8) يقول ابن كثير: " .. إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يجعل مصلحة على إلى غيره، فإنه كان ممن ينفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، من صغره في حياة أبيه أبي طالب، كما تقدم عن مجاهد وغيره. وكذلك يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد ابن حارثة فأخاه بهذا الاعتبار. والله أعلم". (انظر: البداية والنهاية، جـ3، ص227، وانظر أيضاً: البقري (عبدالله أبو العطا): الأنصار والإسلام، ص80، القاهرة، 1964م).

الصفحة 137