كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

138…ذات أيديكم (1) ". ومن ذلك نرى أن الضمان المالي لصالح المهاجرين كان بنداً رئيسياً في بيعة العقبة، وقد التزم الأنصار به وقبلوه على أن نلهم الجنة (2). ولو كان الغرض من الموآخاة اقتصادياً، يجعل مصلحة الفقراء إلى الأغنياء، لما وجدنا أن كثيراً من الصحابة لم يدخلوا في الموآخاة، مع أنهم كانوا فقراء ومن السابقين إلى الإسلام. مثل آنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبي كبشة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصالح شقران غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، ومثل يزيد بن رقيش بن رئاب بن يعمر، وعكاشة بن محصن بن حرثان، وأبي سنان بن محصن بن حرثان، وسنان بن أبي سنان، ومالك بن عمرو، وسعد مولى حاطب وغيرهم (4). فلو كان الهدف جعل مصلحة الفقراء إلى الأغنياء، لكان أولئك أولى من غيرهم بالموآخاة. وإضافة إلى ذلك فإن عدداً من الأنصار، كانوا شديدي الفقر، ومع ذلك آخى الرسول بينهم وبين المهاجرين، ومنهم سهل بن حنيف من بني عمرو بن عوف بن مالك من الأوس، وأبو دجانه سماك بن خرشة من بني ساعدة من الخزرج. فقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعط من أموال بني النضير أحداً من الأنصار إلا سهل بن حنيف وأبا دجانه سماك بن خرشة، وكانا فقيرين (5). كما أن من الأنصار، ممن آخى الرسول بينه وبين أحد المهاجرين، من كان لا يجد ما يأكله (6). وقد رأى بعضهم أن الموآخاة إنما هي تسمية إسلامية لنظام الحلف المعروف عند العرب قبل الإسلام (7)، والمراد بالحلف هنا قبول فرد ما محالفة قبيلة، غير قبيلته والدخول في عهدها. وهو رأي من الصعب التسمي به، لأن التحالف قبل الإسلام، بذلك المعنى، كان يمثل نظاماً طبقياً ينظر فيه إلى الحليف على أنه أقل منزلة من حليفه أو سائر أفراد القبيلة التي دخل في حلفها، حتى أن ديته بينهم كانت النصف (8). بينما نجد أن الموآخاة الإسلامية كانت تجعل للأخ المسلم منزلة تقدمه علىأخوة ذوي الأرحام، في ناحية الميراث بعد الممات (9). ثم إن الموآخاة لو كانت كأحلاف الجاهلية، لاقتضى ذلك ضرورة تواجد المتحالفين وطلب أحدهما من الآخر محالفته. بينما في الموآخاة، كنظام عام يمكن فرضه، نجد أنها تتم حتى ولو كان أحد المتآخين في سفر بعيد، كما حصل بالنسبة لجعفر بن أبي طالب، الذي كان مقيماً في الحبشة بعد هجرته إليها حين آخى الرسول بينه وبين معاذ بن جبل وكان موجوداً مع الرسول صلى الله عليه وسلم، في المدينة (20). ولذلك نجد في تأويل قول الله تعالى: "ولكل جعلنا موالي مما ترك الوالدان والأقربون والذين عقدت…
__________
(1) ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 11، الدولابي: الكني والأسماء، جـ1، ص13. (2) ابن قدامة: المصدر السابق، ورقة 11. (3) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص48 - 50. (4) ابن سعد: نفس المصدر، جـ3، ص91 - 97، 115. (5) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص472. (6) ابن سعد: نفس المصدر، جـ3، ص547. (7) الشريف: مكة والمدينة، ص386. (8) جاد المولى (وآخرون): أيام العرب، ص63 - 64. (9) يقول ابن سعد: "آخى بينهم على الحق والمؤاساة ويتوارثون بعد الممات دون ذوي الأرحام". (انظر: المصدر السابق، جـ1، ص238). (10) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص352.

الصفحة 138