كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

139…إيمانكم فأتوهم نصيبهم (1) "، ما ذكره الطبري حين قال: "والذين عاقدت إيمانكم على المحالفة وهم الحلفاء وذلك أنه معلوم عند جميع أهل العلم بأيام العرب وأخبارها بأن عقد الحلف بينهما كان يكون بالإيمان والعهود والمواثيق .. وكانت موآخاة النبي بين من آخى بينه من المهاجرين والأنصار لم تكن بينهم بإيمانهم (2) ". ولربما أن من أهداف الموآخاة، أن تصبح بديلاً للحلف الجاهلي، إلا أنها تختلف عنه في طريقة التعاقد. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، حين سئل عن الحلف قال: لا حلف في الإسلام (3). والمرجح لدينا أن الهدف الرئيسي للموآخاة، هو الغربة في ربط القبائل، عن طريق أفرادها في أخوة إسلامية (4)، من شأنها التخفيف من حدة العصبية القبلية. وذلك يعني أن عدم تمثيل أي بطن أو عشيرة في الموآخاة، إنما قصد به الضغط، بطريق غير مباشر، على القبائل وإشعارهم بطرقة عملية بأن العصبية القبلية أو الافتخار بصلة الدم والقرابة، لم تعد ذات شأن عظيم في هذا المجتمع الإسلامي القائم على المحبة والتعاون والتضحية بين أفراده (5). ولذلك يتوجب عليهم أن يذعنوا لرأي الأمة الإسلامية ويدخلوا في عصبيتها السامية. وندلل على ما ذكرنا بما لوحظ من عدم دخول بعض بطون الأوس في الموآخاة مثل بني حارثة الذين كانوا رغم إسلامهم. متمسكين بعصبيتهم القبيلية، كثيراً. فكانوا يبدون شيئاً من النفور تجاه بني عبد الأشهل، لما كان بينهم من عداء قديم في الجاهلية (6). وذلك يعني أن الأسرة أوالعشيرة ملزمة بأن تتنازل للأمة عن حق النظر في النزاع المدني، أي النزاع الذي يحدث بين أسر المدينة، حيث أن أول مهمة للأمة هي أن تمنع القتال بين ذويها (7). ولا ريب، أن التخلي عن العصبية القبلية أو إضعافها سوف يجرد القبيلة منبعض تقاليدها الجاهلية، وخاصة تلك التي تعد إحدى وظائف الدولة، كالإجارة. حيث كان الرجل يضطر بدافع من عصبيته إلى التمسك بها. أما وقد ضعف تاثير العصبية، ولم تعد ذات قيمة، لأن كل المسلمين أخوة، فإنه بالتالي سوف لا يكون للإجارة قيمة أو معنى. ومبدأ العهد والجوار كان يحق للفرد بموجبه أن يتدخل لحماية من له عهد وجوار لديه، دون أن يكون للسلطة حق الاعتراض (8). ذلك أن المجير يكون ملزماً أدبياً بتنفيذ بنود الإجارة، وإلا لحقه العار، حتى وإن كان من يجير على غير دينه أو معتقده (9).…
__________
(1) النساء: 33. (2) جامع البيان، جـ5، ص54 - 55. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص172. (4) Arnold; The preaching of Islam, p. 33. (5) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص238. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص298. (7) قال تعالى: "فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول". النساء: 59. وانظر أيضاً: فلهاوزن: الدولة العربية، ص18. (8) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص308، Arnold; The preaching of Islam, pp. 31, 32. الشريف: مكة والمدينة، ص32 - 34. (9) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص308.

الصفحة 139