كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

140…والمعروف أن بين قريش والخزرج علاقات قديمة في مجالات التجارة (1)، والسياسة (2). إلى جانب ما كان بينهم من صلات المصاهرة (3). وقد ازدادت - ولا شك - تلك العلاقات قوة، بمبدأ الموآخاة، الذي ربط بين كثير من الخرزج وقريش (4). وذلك سوف يسقط أي محاولة قد تقوم بينهم، لإحباء مبدأ الإجارة. وقد أقرد دستور المدينة، أو ما عرف باسم الصحيفة (5)، نظرية سيادة الدملة وليس القبيلة. فكانت بنود تلك الصحيفة تنص على أن مجتمع الإسلام ليس مجتمع العصبية القبلية، وإنما هو أمة واحدة م دون الناس (6). وأكدت الصحيفة على أن ولاء الناس، إنما هو للدولة وحدها، فهي صاحبة السيادة والسلطة. ولذا فإنه لا يحق للمؤمن أن ينصر كافراً على مؤمن، كما لا يحل له أن ينصر محدثاً أو يؤويه، وأنه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفساً ولا يحول دونه على مؤمن (7). كما أوضحت الصحيفة، أن تصريف أمور الناس في مجتمع المدينة، إنما مردها إلى الله وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم (8). ومما سبق نرى أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يخطط لعمل يخفف من حدة العصبية القبلية بإقرار مبدأ الموآخاة، تمهيداً لبناء مجتع جديد يقوم على رابطة العقيدة دون رابطة النسب والعصبية القومية (9). كما أنه يمهد لقيام الدولة بمفهومها العام، المرتكز على وجود مؤسسة قادرة وذات سلطة وتصرف حر.
ثالثاً: رابطة ذوي الأرحام
وهي تنظيم يجمع عدداً من البطون والعشائر، التي تنتسب إلى قبيلة واحدة، كبطون قريش مثلاً أو بطون الأوس والخزرج، تحت راية واحدة في محيط رابطة القرابة. ومما يجدر ذكره في هذا المجال، الإشارة إلى أن الفخر بالمناقب الدينية والحمية للقربى أو صلة الدم، لم يكن أمر ذلك مستهجناً بين المسلمين في المدينة، كما هو الحال في نظرتهم…
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص308. الطبري: تاريخ، جـ2، ص361. (2) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص308، الطبري: المصدر السابق، جـ2، ص368. العصامي: سمط النجوم العوالي، جـ1، ص311، (3) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص308، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 3. (4) انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص518 - 519. (5) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ2، ص348 - 351. (6) ابن إسحاق: نفس المكان. (7) ابن إسحاق: نفس المصدر، ـ2، ص349 - 350. (8) ابن إسحاق: نفس المكان. (9) فلهاوزن: الدولة العربية، ص17، حسن (حسن إبراهيم): تاريخ الإسلام، جـ1، ص104.

الصفحة 140