كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

141…للعصبية القبلية. ولذلك رأينا أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم ينكر على صفية بنت حيي بن أخطب قولتها، حين بلغها أن اثنتين من أزواج النبي، قالتا: نحن أكرم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، منها. نحن أزواجه وبنات عمه. فقالت صفية: وكيف تكونان خيراً مني وزوجي محمد وأبي هارون وعمي موسى (1). ونجد أن القرآن الكريم، قد بين طبيعة العلاقة بين ذوي الأرحام، وجعل بعضهم أولى ببعض من غيرهم (2). ويبدو أن بداية ذلك التنظيم، كان حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، بتعويض اليتيمين من بني غنم بن النجار، عن مربدهما بنخل في بني بيضاة، وليس في بني غنم، إذ نجد في هذا الإجراء شيء من المراعاة لصلة القربى. لأنهما كانا بطنين من الخزرج (3). وبالإمكان أن نستدل، من ذلك، على وجود رغبة لجمع بطون كل قبيلة على راية واحدة، وعلى الخصوص، في تنظيمات الرسول الحربية، يوم بدر. إذ كان يوجد يومها رايتان، إحداهما جمعت بطون الأوس والخزرج وعرفت براية الأنصار، والأخرى كانت لبطون قريش وحلفائها ومن انضم إليهم من المهاجرين (4). وقيل "إنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، في المواطن كلها، رايتان، مع علي راية المهاجرين، ومع سعد ابن عبادة راية الأنصار (5). وفي بعض الأحيان، قد يجعل لبطون الأوس لواء خاصاً، ولبطون الخزرج لواء آخر. ذكر ذلك البلاذري بقوله إن لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم بدر مع مصعب بن عمير، ولواء الأوس مع سعد بن معاذ، ولواء الخزرج مع الحباب بن المنذر (6). والظاهر من تلك الروايات أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يغير القيادات وتشكيل الوحدات، أكثر من مرة في نفس المعركة الواحدة، حسب الظروف والأحوال (7). ولم يقتصر تنظيم رابطة القرابة أو ذوي الأرحام، على قريش والأنصار، وهم الغالبية بين السكان في المدينة، فإنه شمل سائر القبائل العربية، حيث راعى صلة الرحم ورابطة القرى في حالات عديدة حين بعث الرسول صلى الله عليه وسلم، بعضهم في سرايا أو حين استعمل عليهم (8). وأمثلة ذلك، سرية الأزد والأشعريين (9)، وتولية عامل واحد على مراد ومذجح وزبيد كلها (10).…
__________
(1) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص347. (2) قال تعالى: "والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا منكم فأولئك منكم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .. الآية" الأنفال: 75. (3) الذهبي: تاريخ، جـ1، ص202، ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 3 - 44. (4) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص445. (5) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص30، 249. (6) الأنساب، جـ1، ص293. (7) الواقدي: المغازي، جـ2، ص800 وما بعدها (طبعة أكسفورد). (8) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص229، جـ3، ص205. (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص229. (10) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص205.

الصفحة 141