كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
145…ومما يظهر رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم، في أن يوجه الناس حبهم وعصبيتهم إلى الأرض أو المدينة وليس للقبيلة، ما نجده فيما ذكره ابن حجر: أن أصيل الغفاري قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة فقالت عائشة (رضي الله عنها: كيف تركت مكة؟ قال: أخضرت أجنابها وابيضت بطحاؤها وأعذق اذخرها، وانتشر سلمها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حسبك يا أصيل، لا تحزنا (1). ومن ذلك نجد أن الذي أثار حزن الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس فراقه قبيلته قريش، وإنا بعده عن تراب بطحاء مكة وما فيها من اذخر وخضرة، وقد كانت مراتع صباه. ويجد الباحثن خلال قراءته للنصوص التاريخية الإسلامية، إشارات تظهر حرص الرسول صلى الله عليه وسلم على أن تنسب القبائل، إذا جاء ذكرها، إلى مدنهم أو أقاليمهم كأن يقال: أهل قباء (2)، وأهل المدينة (3)، وأهل مكة، وأهل الطائف (4). ب- الاستخلاف على المدن أو الأقاليم لم تكن التولية على الأمصار الإسلامية، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، نظاماً متبعاً، إلا في أضيق الحدود، إذ كان الاستعمال - في الغالب - على القبائل، مع مراعاة ناحية القرابة بين القبائل في حالة تعددهم (5). وقد بدأ نظام الاستخلاف على الأمصار بالاستخلاف على المدينة المنورة، حين يخرج الرسول غازياً (6). وقد تستدعي الحاجة لضبط الأمور، تقسيم المدينة إدارياً إلى قسمين، على كل منهما عامل مستقل عن الآخر (7). ونظراً لاتساع مساحة اليمن، كان النبي صلى الله عليه وسلم، يستعمل على بعضها، كزبيد وعدن، وأعمالهما (8)، واستعمل على نجران عمارة بن حزم الأنصاري (9)، وعلى صدقات صنعاء، المهاجر بن أبي أمية المخزومي (10).…
__________
(1) نفس المصدر، جـ1، ص54. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص91، جـ3، ص25. (3) قال تعالى: "ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله". براءة: 120. وعن خالد بن خلاد الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: من أخاف أهل المدينة أخافه الله. (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص404). وذكر الواقدي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا فقال: اللهم إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك دعاك لأهل مكة وإني محمد عبدك ونبيك أدعوك لأهل المدينة أن تبارك لهم في صاعهم ومدهم وثمارهم. (انظر: المغازي، ص13. الطبعة الأولى). (4) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص431. وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إن أول من أشفع لهم من أمتي أهل المدينة ثم أهل مكة ثم أهل الطائف. (انظر: ابن حجر: نفس المكان). (5) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص43، 351، 436، جـ3، ص352. (6) ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 73، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص44، ص383، جـ4، ص70 - 71. (7) كان النبي صلى الله عليه وسلم، قد استخلف على المدينة يوم بدر، كما استخلف على عالية المدينة. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص246). (8) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص359. (9) ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 15. (10) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص465.