كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
146…ومما تجدر ملاحظته، أن اختيار العمال على الأمصار الإسلامية، لم يعد - غالباً - يخضع للتقليد القبلي السابق، بمعنى أن يكون العامل أحد أبناء القبيلة أو حلفائها. إذ نجد أن أحد من استخلف على المدينة كان من قبيلة غفار (1). وكان العامل على صدقات صنعاء، قرشياً (2). وقد يستعمل على اليمن جهني (3)، أو خزرجي (4). وكان عامل البحرين من قبيلة حضرموت (5). ومما تجدر ملاحظته - أيضاً - ما رأينا، من أن العامل على اليمن أو البحرين كان من غير أبناء المنطقة المستعمل عليها، بمعنى أن اليمني لم يعد يولي على الأجزاء الكبرى في اليمن (6)، وكذلك الحال بالنسبة لأهل البحرين (7). وقد يفسر ذلك بأنه كان إجراء وقائياً واحتراسياً، نظراً لكون تلك الأمصار بعيدة جداً عن المدينة، مما قد يغري بالخروج على السلطة فيها، ما دام العامل يجد له سنداً في قومه. ولعل ظاهرة التخلي عن اختيار العامل من بين أبناء الإقليم أو القبيلة، برزت بعد استفحال ظهور حركات الارتداد في اليمن، والخروج على سلطة المدينة، مثل حركة العنسي (8). وقد عبر أهل اليمن - بالفعل - عن رغبتهم في الخروج على سلطة المدينة والاستقلال في حكم أنفسهم، حال سماعهم بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، فتكلم سفهاء همدان بما كرهه حلماؤهم (9). ثم كثر ارتداد وخروج أهل اليمن في السنة الحادية عشرة من الهجرة (10). وخرج معهم في تلك السنة أهل البحرين والتفوا حول زعمائهم ضد المدينة (11). ثم إنك ترى في نفس الوقت، أن العمال على مكة أو الطائف، كانوا يختارون من نفس القبائل القاطنة تلك المدن أي من قريش وثقيف أنفسهم (12). وقد يعود سبب ذلك إلى أن تلك المناطق كانت قريبة من مركز السلطة في الميدنة، بالإضافة إلى أن معظم - إن لم يكن جميع - زعماء وكبراء قريش وثقيف، كانوا يشكلون عنصراً كبيراً من عناصر السكان في المدينة، مما يبعد إمكانية نقض أهل تلك المدن للأمر أو الارتداد عن الإسلام.…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ4، ص70 - 71. (2) الطبري: تاريخ، جـ3، ص147. ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص465. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص282. (4) ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 15، 29 - 30، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص427. (5) الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص147، ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص497 - 498. (6) كان الرسول صلى الله عليه وسلم - في السابق - يستعمل على قبائل اليمن من أحد أبنائها. (انظر: الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص130، ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص258 - 259). (7) كان الرسول صلى الله عليه وسلم - بادئ الأمر، أيضاً - قد أقر على أهل البحرين، الجارد ابن المعلي، بعد أن تفقه في المدينة. (انظر: الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص301 - 305). (8) الطبري: تاريخ، جـ3، ص147. (9) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص488. (10) الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص313 - 16، 323 - 28. (11) الطبري: نفس المصدر، جـ3، ص301 - 13. (12) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص451، 460، جـ3، ص599.