كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

151…
أولاً - العمران في موضع المدينة وذكر خطط الأنصار قبيل الهجرة وبعدها
كانت المدينة المنورة منذ القدم - كما سبق أن رأينا - آهلة بالسكان، إلى الوقت الذي فيه اتخذها الرسول صلى الله عليه وسلم، أول مدينة إسلامية ظهرت فيها طريقة التخطيط الإسلامي للمدن. إذ أصبح تخطيطها نموذجاً احتذى عند تخطيط مدن الأمصار الإسلامية، كالبصرة والكوفة، اللتين كانتا - خلاف ما كان يعتقد - آهلتين بالسكان قبل تمصيرهما في الإسلام (1). وكانت عناصر السكان في المدينة المنورة، قبل تخطيطها في الإسلام، مكونة من اليهود والعرب، ومعظم هؤلاء من الأوس والخزرج، وهم الأنصار (2). ومما تجدر ملاحظته على خطط الأنصار وقراهم، أنه لم يطرأ عليها تغيير جذري بعد الهجرة، عدا ما سنتناوله في بحثنا عن نزول المهاجرين باطن المدينة، على قرى الأنصار، وما أحدث ذلك من تعديل بسيط على تنظيم الخطط وتحويل فعالية النشاط العام إلى مركز المدينة، حيث يوجد المسجد. ولذلك سنمهد للحديث عن خطط المدينة بعد الهجرة بذكر خطط الأنصار كإطار رئيسي ومتكامل، لخطط القبائل بعد الهجرة. وكما أسلفنا القول - فإن الأوس والخزرج نزلوا بعد هجرتهم إلى يثرب بين اليهود، لأن الثروة كانت فيهم (3). ولما…
__________
(1) يذكر أن مواضع البصرة والكوفة كانت ولايات ساسانية عامرة بالأديرة والضياع أو الدساكر. (انظر: الطبري: تاريخ، جـ3، ص590 - 591، جـ4، ص41). ويقول لويس ماسنيون عن تاريخ البصرة، قبل تمصيرها في الإسلام: "وكانت دساكرها السبع القديمة مأهولة وذات منازل ثابتة من قبل". (انظر: خطط الكوفة وشرح خريطتها، ص10، الترجمة العربية للمصعبي، ط1، صيدا، 1958م). والدساكر: جمع دسكرة، وهي الضيعة أو المزرعة المسكونة بالفلاحين. فكانت البصرة، قبل تمصيرها، سبع دساكر قريبة من بعض. (انظر: ماسنيون: نفس المكان، الهامش رقم 1، نفس المنكان). وكذلك الحال بالنسبة لتمصير الكوفة، فقد كانت أراضيها عند الفتح الإسلامي، تطابق لثلاث مناطق أو طسوج مالية ساسانية. (انظر: ماسنيون: نفس المرجع، ص7). والطسوج: تقسيم إداري ساساني. إذ أن الممالك والأقاليم الساسانية، كانت تنقسم إدارياً إلى أقسام تسمى الأستانات، وكانت الأستان ينقسم إلى طساسيج، والطسوج ينقسم إلى رساتيق، والرستاق يتألف من القرى والضياع. (انظر: ماسنيون: نفس المكان، هامش رقم 4، نفس المكان). (2) العدوي: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 112 - 113، (3) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص177.

الصفحة 151