كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
156…أطراف العوالي من جهة الشرق. وهو ما سيجعل من غير المستبعد أن تعدو السباع على أهلها لابتعادها عن ازدحام العمران. أما بنو عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، فقد احتلوا منطقة قباء، كثيرة المياه والزروع، فهي - كما أسلفنا القول - تطوقها عدة أودية، هي مذينيب من جهة الشرق، وبطحان في الشمال، ورانوناء في الغرب (1). ومما تجدر ملاحظته هنا أن قباء تعد - طبغرافيا - جزءاً من العالية، ولا تختلف عنها كثيراً (2)، إضافة إلى منطقة العصبة (3)، فهي تعد أيضاً امتداداً طبيعياً لمنطقة قباء نحو الغرب. ولذلك، حين خاصم بنو جحجبا بن كلفة بن عوف بن عمرو بن عوف، بني عمومتهم عمرو بن عوف، وكانوا يسكنون معهم في قباء، خرجوا فسكنوا العصبة (4). وكانت العصبة أيضاً غنية بالمزارع والآبار (5). ونخلص مما سبق إلى أن منازل الأوس الواقعة في شرق المدينة وجنوبها تعد من أفضل مناطق المدينة وأكثرها خصوبة. وذلك عائد إلى مرور كثير من أودية المدينة خلالها، إضافة إلى اشتغال العرب واليهود في استغلال تلك الموارد لتنمية الزراعة بشكل واسع حتى كان لهم غزار المياه وكرام النخل (6). وبعد أن تتبعنا منازل الأوس، التي شملت جهات المدينة الشرقية والجنوبية سيكون حديثه عن منازل بطون الخزرج التي تغطي باطن المدينة. بالإضافة إلى جهاتها الشمالية الغربية. وبالإمكان تتبع بعض منازلهم من خلال وصف ابن إسحاق لطريق الرسول صلى الله عليه وسلم، بعد خروجه من قباء إلى باطن المدينة، حيث يقول: "فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي، وادي رانوناء (7) ".…
__________
(1) السمهودي: نفس المصدر. جـ1، ص193 - 194، الطري: المصدر السابق، ص63 - 64. (2) الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص336. ويقول الواقدي: "من العالية بنو عمرو بن عوف، أهل قباء". (انظر: المغازي، ص85، ط1). (3) العصبة: موضع غربي مسجد قباء. (انظر: المطري: التعريف، ص63، العباسي: عمدة الأخبار، ص372). السمهودي: الوفاء، جـ1، ص193 - 194. (5) المطري: المصدر السابق، ص80، المرجاني: المصدر السابق، ورقة 160. (6) يقول السمهودي: أن عمرو بن النعمان البياضي الخرزجي قال، قبيل يوم بعاث: ياقوم إن بياضة بن عمرو، أنزلكم منزل سوء، والله لا يمس رأسي غسل حتى أنزلكم منازل بني قريظة والنضير. (انظر: المصدر السابق، جـ1، ص217). (7) السيرة، جـ2، ص343. مسجد الجمعة: ويعرف ذلك المسجد أيضاً، بمسجد الوادي، وهو على يمين السالك إلى مسجد قباء. (انظر: العباسي: عمدة الأخبار، ص170، العجيمي: مكة والمدينة، ورقة 47). وشمالي مسجد الجمعة أطم خراب يقال له المزدلف، أطم عتبان بن مالك، شرقي وادي رانوناء. (انظر: المطري: التعريف، ص51، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص199، العدوي: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 155).