كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
159…إذ أن الأمر كان يخضع - ولا ريب - لقلة وكثرة تزايد القبيلة، فكلما ازدادت حجماً بحثت لها عن متسع من الأرض بأي وسيلة. وذلك يعني إمكانية تداخل منازل القبائل مع بعض، أو على الأقل إحاطة بعضها ببعض من جهة أو أكثر، مثلما مر بنا عند ذكر منازل بني بعد الأشهل. وقد يكون ما ذكرناه، عن منازل بني بياضة واتساعها شرقاً - حيث منازل بني الحارث - مجرد افتراضات، لو لم نستنتج ذلك من مجموعة روايات تحدد منازل بني بياضة وبني الحارث. حيث يقول المطري في هذا: "ودار بني الحارث شرقي وادي بطحان (1) ". ثم يحدد منازل بني بياضة بقوله: "ديارهم فيما بين دار بني سالم بن عوف بن الخزرج بوادي رانوناء، عند مسجد الجمعة إلى وادي بطحان، قبلي دار بني مازن بن النجار (2) ". وما ذكره المطري من أن دارهم قبلي دار بني مازن. يعني أن دار بني بياضة كانت تمتد أيضاً إلى الجهات الشرقية لوادي بطحان. لأن دار بني مازن بن النجار قبلي بئر البصة (3). والمعروف أن بئر البصة، قريبة من البقيع (4)، على يسار السالك إلى قباء (5). وكان بنو زريق يشغلون الجهات الغربية لمنازل بني مازن والجهات الشمالية لبني بياضة (6). وقد حدد المرجاني موضع قرية بني زريق بقوله: أنها قبلي سور المدينة المشرفة وقبلي المصلى، وبعضها كان داخل السور اليوم لموضعها المعروف به ذي أروان (أو ذيحال)، وذي أروان اسم محلة بني زريق وهناك بئر تسمى بئر ذي أروان (7). وفي مركز الوسط أو باطن المدينة (8)، تجد تجمعاً سكانياً آخر لبعض بطون بني الخرزج. وهو التجمع الذي شكل - فيما بعد - ما يشبه الطوق، حول المسجد النبوي. وفي شمال غرب تلك الدائرة تفرقت بطون بني ساعدة بن كعب بن الخزرج في أربع منازل (9). فنزل بنو عمرو وبنو…
__________
(1) التعريف، ص79. (2) نفس المصدر، ص80. (3) المطري: نفس المصدر، ص88. البصة: بضم الباء وفتح الاصد المشددة بعدهاهاء، من بص الماء بصا، رشح. (انظر: العباسي: عمدة الأخبار، ص262). وقيل في اسمها، البضة، كأنها من بض الماء بضا: رشح. (انظر: الفيروز آبادي: المغانم المطابة، ص30). (4) البقيع: هو بقيع الغرقد، والغرقد هو كبار العوسج، وهو مقبرة أهل المدينة. وهو غير بعيد من المسجد النبوي، بشرقي المدينة، وأصل البقيع في اللغة، كل مكان فيه أصول الشجر من ضروب شتى. (انظر: العباسي: المصدر السابق، ص275 - 276، الأنصاري، عبد القدوس: آثار المدينة المنورة، ص175). (5) العباسي: المصدر السابق، ص362. (6) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص205 - 208، 213 وما بعدها. (7) تاريخ هجرة المختار، ورقة 157. (8) ونحب أن ننوه هنا، إلى أن التعبيرين السابقين "وسط المدينة أو باطنها" سبقنا إلى استعمالهما بعض المؤرخين المسلمين للمدينة. (انظر: الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص341، العدوي: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 134). (9) السمهودي: الوفاء، جـ1، ص208.