كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

166…ثانياً: عوامل اختيار موضع المدينة، وأصالة تخطيطها يرى معظم المؤرخين المسلمين أن نزول الرسول صلى الله عليه وسلم، في خطة بني مالك بن النجار، إنما كان من قبيل المصادفة وعدم التخطيط المسبق. وأن خروجه، صلى الله عليه وسلم، من قباء، كان على غير هدى أو تدبير. والذي ذكرناه لا يعدو كونه اجتهاداً بنيناه على مما أورده المؤرخون المسلمون، من أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، كان يقول للأنصار، كلما اعترضوا طريق ناقته، طالبين منه النزول بينهم: "خلوا سبيلها فإنها مأمورة (1) ". وفي هذا أيضاً يقول ابن إسحاق: "حتى إذا أتت ناقته دار بني مالك بن النجار، بركت على باب مسجده (وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بني النجار، هما سهل وسهيل ابنا عمرو، كانا في حجر معاذ بن عفراء). فلما بركت ورسول الله صلى الله عليه وسلم، عليها لم ينزل وثبت، فسارت غير بعيد ورسول الله صلى الله عليه وسلم، واضع لها زمامها لا يثنيها به، ثم التفتت إلىخلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة، فبركت فيه ثم تلحلحت وأرزمت ووضعت جراتها فنزل عنها رسول الله الله صلى الله عليه وسلم واحتمل أبو أيوب رسول الله لسهل وسهيل باني عمرو، وهما يتيمان لي وسأرضيهما منه. واتخذه مسجداً (2) ". وليس هناك ما يمنع من اعتبار الزواية الساقة صحيحة ومقبولة، على اعتبار أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم تكن لديه فكرة كاملة، عن طبيعة أرض المدينة أو حقيقة طبغرافيتها، لعدم مشاهدته بنفسه تلك البقعة على الطبيعة والواقع، حين قدم مهاجراً. ولذلك لم يعط الأنصار رأياً نهائياً، عن المكان الذي سيتخذ منه مركزاً لخطط المهاجرين، تحسباً لما قد يستجد من الأمر، خلال مسره من قباء، مما يحمله على تغيير ما راتآه (3). ومما تجدر الإشارة إليه أن بعض المؤرخين المسلمين، ذكر أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، حينما كان في قباء، أرسل إلى بني النجار، فجاؤوا متقلدين السيوف، وطلبوا منه الركوب معهم إلى دارهم آمناً مطاعاً" (4). ولعلنا من هذا أيضاً، نستدل على أنه ربما كانت لدى الرسول، فكرة أولية، عن طبيعة موضع مسجده - اليوم، كما سبق أن ذكرنا - ولذلك أرسل إلى بني النجار، وكانوا أخوال جده عبد المطلب (5)، وهذا - ولا شك - سيجعل منهم سنداً قبلياً يعتز به فيما لو احتاج إلى ذلك، خصوصاً وأن بعض زعماء الخزرج، كعبد الله بن أبي، كانوا كارهين لوجود محمد في المدينة (6).…
__________
(1) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص343. (2) نفس المصدر، جـ2، ص343 - 344. (3) وقد روىعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه ركب إلى العقيق، ثم رجع فقال: "يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطأه وأعذب ماءه. قالت: يا رسول الله أفلا ننتقل إليه؟ فقالك كيف وقد ابتنى الناس". (انظر: المطري: التعريف، ص65، ابن النجار: الدرة الثمينة، ص30). وروى عنه أيضاً أنه قال: طلو علمنا بهذه أولاً لكانت المنزل". (انظر: الهمداني: مختصر البلدان، ص25). (4) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 42، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص339. (5) مجهول: المصدر السابق، ورقة 42. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص422 - 23. وذكر أن شيخا من بني عمرو بن عوف، يقال له أبو عفك، وكان شيخاً كبيراً، قد بلغ عشرين ومائة سنة، حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم، المدينة كان يحرض على عداوة النبي (ص). ولم يدخل الإسلام. (انظر: الواقدي: المغازي، جـ1، ص174 (طبعة أكسفورد).)

الصفحة 166