كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

168…السهل نحو الجنوب أو الشرق، وبالتالي تتعذر إمكانية التوسع السكاني معه نحو تلك الجهات المذكورة وسبب ذلك وجودعوائق طبيعية: جغرافية وجيولوجية. وهي التي اعطت للمدينة شكلاً فريداً بين المدن الإسلامية، يقرب إلى هيئة الشكل المستطيل (1). ومما تجدر ملاحظته أن تلك الظروف الجغرافية والجيولوجية، قد ساهمت مساهمة كبيرة، في عملية توفر القناعة، بصلاحية اختيار مركز ذلك الشكل لسكنى المهاجرين. إذ أن تساوي الاتجاهات من مركز الشكل إلى أضلاعه، سيساعد - ولا ريب - على إيجاد توازن للتوسع المرتقب، في خطط القبائل في المدينة. كما أنه سيجعل من عملية التوسع خارج المدينة، نحو الشمال والغرب، حيث وادي العقيق، عملية نافعة اجتماعية واقتصادياً. فهو من الناحية الاجتماعية سيخفف الضغط السكاني من قبل المهاجرين على خطط الأنصار، كلما اتجهوا لسكنى تلك الجهات، كما أنه سيعمل على ازدهارها عمرانياً وزراعياً (2)، وذلك بالعمل على إحياء معظم تلك الأراضي البور القابلة للخصوبة والزراعة (3). وبالإضافة إلى ذلك فإن تلك الجهات من المدينة - كما سبق أن ذكرنا - كانت أكثر تخلخلاً سكانياً وقادرة على استيعاب نزلاء جدد لوجود فضل في خطط الأنصار أكثر من غيرها (4). وطبقاً للمبررات الآنفة الذكر، اختير موقع المسجد الجامع، وهو المسجد النبوي، في مركز وسط من المدينة - تقريباً - أو كما كان يعبر، في باطنها (5). أو كما قيل في نحو من وسطها (6). حتى يتيسر على المسلمين الاتصال بالرسول صلى الله عليه وسلم دون مشقة أو عناء، حيث أصبح المسجد نقطة البداية لخطط المهاجرين والأنصار التي أطافت به من جميع الجهات (7).…
__________
(1) والذي ذكرناه، عن شكل المدينة، هو اجتهاد بنيناه على ما ذكره المؤرخون المسلمون، من أن حرم المدينة، كان بريداً في بريد. وذلك ما بين جبليها عير إلى ثور (وهو شمالي أحد) من الجنوب إلى الشمال، وما بين لابتيها، أي حرتيها الشرقية والغربية. (انظر: كبريت: الجواهر الثمينة، ورقة 8). (2) هناك أحاديث كثيرة، تروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم، تحبب سكنى وادي العقيق، من ذلك ما سبق ذكره، من حديث عامر بن سعيد بن أبي وقاص قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى العقيق ثم رجع فقال: يا عائشة جئنا من هذا العقيق فما ألين موطأه وما أعذب ماءه. قالت: أفلا ننتقل إليه؟ قال: وكيف وقد ابتنى الناس. (انظر: المطري: التعريف، ص65). ومن ذلك أيضاً ما روى عن عبدالله بن مطيع قال: بات رجلان بالعقيق ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أين بتما؟ فقالا: بالعقيق، فقال: بتما بواد مبارك. (انظر الحميري: الروض المعطار، ص417). وقد ابتنى بعض الصحابة بالعقيق، وكانت فيه الآبار العذبة والقصور المشيدة، مثل قصر سعيد بن العاص وقصر عروة ابن الزبير، وقصر مروان بن الحكم وغيرهم. (انظر: الهمداني: مختصر البلدان، ص26، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص46 - 48، ابن النجار: الدرة الثمينة، ص31). (3) Holt P.M; The Cambridge History of Islam, vol. 1 p. 41. (4) البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص5. (5) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 42، الديار بكري: تاريخ الخميس، ص341. (6) الاصطخري: المسالك والممالك، ص23. (7) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص240، المطري: التعريف: ص37 - 43، السمهودي: الوفاء، جـ2، ص717 وما بعدها. وقد كانت عادة بناء المساكن حول أماكن العبادة، معروفة في مكة قديماً. حيث جعلت مركز الناشط في الشؤون العامة. فقد ذكر أن قريشاً وغيرها من قبائل مكة، لم يبنوا - بادئ الأمر - حول الكعبة دوراً مشيدة، احتراماً لها. وكانوا يسكنون في شعاب مكة. فقال لهم قصي: إن سكنتم حول البيت، هابتكم الناس ولم تستحل قتالكم والهجوم عليكم. فبدأ هو، أولاً وبنى دار الندوة ثم قسم الجهات، بين قبائل قريش. فبنت قريش دورها حول الكعبة. (انظر: الأزرقي: أخبار مكة، جـ1، ص103 - 115، باسلامة، حسن عبدالله: تارخي عمارة المسجد الجرام، ص5 - 6، ط1، جدة، 1354هـ).

الصفحة 168