كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
169…وقد لخص العدوي أسباب اختيار باطن المدينة، لإقامة خطط المهاجرين بقوله: وكانت دار بني النجار أوسط دور الأنصار وأفضلها (1). ثالثاً: التطور في تخطيط المدينة، وسكنى المهاجرين مع الإشارة لمساحة المدينة كان المسجد النبوي - كما رأينا - أول شيء اختط في وسط المدينة، بعد قدوم الرسول صلى الله عليه وسلم، من قباء (2). وقد ظلت قواعده الأولى، منذ أن أسسه الرسول صلى الله عليه وسلم، النواة التي نمت حولها مشاريع تعميره وتوسعته، منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، إلى أيامنا هذه (3). ولهذا فإن المسج النبوي، يعد خير إحداثية يمكن اتخاذها كبداية لتعيين خطط المهاجرين في المدينة بعد الهجرة، والتي كانت - في معظمها - عبارة عن قطائع أو خطط، تنازل عنها الأنصار للمهاجرين من كل فضل كان في خططهم (4)، أو كانت في عفا من الأرض ليست لأحد، فيقطعها الرسول لأصحابه (5). ولعل من أول ما بنى، في خطط المهاجرين حول المسجد، بيوت نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وهي تسعة أبيات بنيت في أوقات مختلفة (6)، وكانت عبارة عن مجموعة حجرات، خارجة من المسجد مديرة به من ثلاث جهات. هي أولاً…
__________
(1) أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 134. كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، حديثاً قال فيه: خير دور الأنصار بنو النجار ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحرث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل الأنصار خير. (انظر: ابن قدامة: الاستبصار، ورقة 3). والظاهر، أن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقصد بالدار هنا، المنزل وليس المنزلة. لأنه لو كان يقصد المنزلة لعد معهم قبائل المهاجرين، وكان فيهم من السابقين إلى الإسلام من صدق إيمانه وصحت عزيمته، ولم ينكر دوره الكبير في الجهاد، والالتفاف حول الرسول، صلى الله عليه وسلم، للذود عن الإسلام ونشر دعوته. مثل قبائل، قريش، وثقيف، وغفار، وسليم وغيرهم. (2) انظر: ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص344، السمهودي: الوفاء، جـ1، ص322. (3) كان المسجد النبوي، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، مبنياً باللبن وسقفه جريد، وعمده جذوع النخل. وقال أهل اسير: بنى النبي صلى الله عليه وسلم، مسجده مرتين. بناه حين قدم، أقل من مائة في مائة، وقيل سبعين في ستين ذراعاً أو يزيد. فلما فتح الله عليه خيبر، بناه وزاد عليه الدور مثله. وجعل له ثلاثة أبواب، باب في مؤخره أي في جهة القبلة اليوم يدخل منها عامة أصحابه، وباب يدعى بباب عاتكة ويقال له باب الرحمة، وباب يدخل منه النبي صلى الله عليه وسلم، وهو باب عثمان اليوم المعروف بباب جبريل. وهذان البابان، لم يغيرا بعد صرف القبلة، ولما صرفت، سد الباب الذي كان خلفه وفتح هذا الباب حذاه، أي محاذات المسدود، خلف المسجد، أي اتجاهه. (انظر: مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 5 - 7، المطري: التعريف: ص32، السمهودي: المصدر السابق، جـ1، ص334). وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، توالت على المسجد عدة زيادات، خلال كثير من العهود إلى أيامنا هذه. (انظر: الأنصاري، عبد القدوس: آثار المدينة المنورة، ص92 - 113، العياشي: المدينة بين الماضي والحاضر، ص208 وما بعدها). (4) مجهول: المصدر الساق، ورقة 4. (5) الهمذاني: (ابن الفقيه): مختصر البلدان، ص24 (طبعة ليدن، 1302هـ). السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص718. (6) انظر: ابن فضل الله العمري: مسالك الأبصار، جـ1، ص126. وذكر أن لحارثة بن النعمان الأنصاري، منازل قرب المسجد حوله. فكلما أحدث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أهلاً، تحول له حارثة عن منزله حتى صارت كلها لرسول الله صلى الله عليه وسلم . (انظر: مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 7). وكان النبي صلى الله عليه وسلم، ينزل، قبل بناء المسجد والبيوت، على أبي أيوب، خالد بنزيد الأنصاري النجاري. (انظر: ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص344). حيث أقام عنده سبعة اشهر. (انظر: مجهول: المصدر الاسبق، ورقة 6). وتقع دار أبي أيوب في الناحية الجنوبية الشرقية للمسجد وبينها وبين دار عثمان بن عفان، في شرق المسجد، زقاق يعرف بزقاق الحبشة. (انظر: المطري: التعريف، ص43، الأنصاري، عبد القدوس: آثار المدينة المنورة، ص28 - 29).