كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

171…وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يقطع بعض المهاجرين، في خطط الأنصار. فأقطع - فيما بعد - المقداد بن عمرو بن ثعلبة بن مالك القضاعي، حليف بني زهرة، في بني جديلة، شمالي المسجد النبوي، وذلك بعد أن دعاه إلى تلك الناحية، أبي ابن كعب (1). كما ذكر، أن بالمدينة قوماً من الحضرميين ولهم دار تعرف بدار الحضرميين، في بني جديلة (2). وقد نزل في بني ساعدة، بعض الكنديين (3)، وكذلك نزلوا في بني زريق (4). ويبدو أن تكوين دار القبيلة أو خطتهم، كان يبدأ على شكل قطيعة فردية لأحد النابهين في القبيلة، حيث تتجمع حولها دور بقية الناس من القبيلة وحلفائها. وقد كانت دار بني زهرة شمالي المسجد، قد بدأت على شكل حشّ (وهو نخل صغار لا يسقى)، أقطع لعبد الرحمن بن عوف (5)، ثم نمت حولها - فيما بعد - دور الأفراد والأحياء (6). وكانت دور بني زهرة أو خطتهم، تشغل بعض الأراضي الشمالية للمسجد، وقد تنعطف على المسجد من جهة الغرب (7). ومما تجدر الإشارة إليه، في هذا الصدد، أن خطط القبائل في المدينة، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، لم تكن قبلية خالصة، بمعنى أن الخطة لا يسكنها إلا القبيلة نفسها. فقد لاحظنا - مما سبق - نزول كثير من المهاجرين في خطط الأنصار. ولما أقطع الرسول صلى الله عليه وسلم، الدور جعل لأبي سلمة المخزومي موضع داره عند دار بني عبد العزي الزهريين (8). ولذلك من النادر أن يقال، خطة بني فلان، حيث كان من الشائع أن يقال مثلاً: دار آل عمر (9). أو حي من أحياء العرب (10). وقد كونت الدور الشوارع حول المسجد، ما يشبه الخطة الواحدة، حيث جمعت عدة قبائل من المهاجرين، وبعض الأنصار، وهو ما سوف نشير إليه بعد. وكانت تلك الخطة في معظمها قطائع فردية اقتطعت من كل فضل كان…
__________
(1) ابن سعد: نفس المصدر، جـ3، ص161. (2) البلاذري: الأنساب، جـ1، ص10. وقد ذكر السمهودي: أن هناك زقاقاً بالمدينة يعرف بزقاق الحضارمة، في شرقي مؤخر سوق المدينة، مما يلي الشمال. (انظر: المصدر السابق، جـ2، ص261). (3) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص560. (4) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص143. (5) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص126، ابن شبه: أخبار المدينة، ورقة 75 - 76، ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص356، السمهودي: الوفاء، جت2، ص717 - 18. (6) ذكر أن عبدالله وعتبة ابني مسعود الهذليين، وحليفي بني زهرة، جعل لهما خطتهما عند المسجد، في بني زهرة. فقال حي من بني زهرة، يقال لهم بنو عبد بن زهرة، لرسول الله صلى الله عليه وسلم : نكب عنا ابن أم عبد (يعني عبدالله ابن مسعود) فزجرهم الرسول صلى الله عليه وسلم، بقوله: إن الله لا يقدس قوماً لا يعطي الضعيف منهم حقه. (انظر: ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، ص152). (7) السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص728. (8) ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، ص240. (9) السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص717 - 18. (10) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص246.

الصفحة 171