كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
175…وقد شكلت منازل جهينة (ابن زيد بن السود بن الحارث بن قضاعة) وبلى (ابن عمرو بن الحاف بن قضاعة) خطة واحدة تمتد إلى الشمال من خط أسلم، الذي بين أسلم وجهينة، إلى دار بني حرام، في بني سلمة، غربي مساجد الفتح، بمحاذاة السفح الغربي لجبل سلع (1). وكان النبي 0ص)، هو الذي خط المسجد الذي لجهينة ولمن هاجر من بلى، بين خيامهم (2). ونزل بن وجشم بن معاوية بن بكر بن هوازن، في محلتهم التي يقال لها بنو جشم (3)، هي في بني زريق من الشرق، أي في الجنوب الغربي للمسجد (4). أما بنو فزارة (هم من ذبيان بن بغيض من غطفان) فكانت خطتهم إلى الشمال من خطة أشجع في السفح الشمالي الشرقي لسلع. حيث نزلت بنو مالك ابن حماد، وبنو زنيم وبنو سكين من فزارة بن ذبيان، في تلك الجهة (5). ويجدر بنا - بعد هذا الاستعراض، لخطط الأنصار والمهاجرين - أن نشير إلى أن البناء لم يكن منتشراً بشكله الواسع في كل مساحة المدينة المعروفة، والتي تقدر على أنها بريد في بريد (6). ولذلك كان الجغرافيون المسلمون يرون أن المدينة أقل مساحة من نصف مساحة مكة (7). وقد كان البناء والعمران بالمدينة، منتشراً في جهات، العالية وقباء والعصبة ويثرب القديمة، بالإضافة إلى الأجزاء المحيطة بالمسجد النبوي. بينما لم تخظ بقية أجزاء المدينة الأخرى - على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم - بتوسع البناء وانتشاره نحو الغرب - على وجه الخصوص - كما حصل فيما بعد (8). وقد استنتجنا ذلك من حديث رواه أبو أسيد بن علي بن مالك الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا رأيت البناء قد بلغ سلعاً فأتمر بالشام، فإن لم تستطع فاسمع وأطع (9). وبصرف النظر عن ضعف الحديث، أو عدمه، فإن المهم أنه يهدينا إلى حقيقة، كانت قائمة على عهد…
__________
(1) المطري: التعريف، ص76، السمهودي: المصدر الاسبق، جـ2، ص763. (2) المطري: المصدر السابق، ص76، المرجاني: تاريخ هجرة المختار، ورقة 157 - 58. (3) السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص764. (4) السمهودي: نفس المكان. (5) السمهودي: نفس المصدر، جـ2، ص764 - 65. (6) المطري: التعريف، ص15 - 16، 68، ابن النجار: الدرة الثمينة، ص28 - 29، 40. (7) الاصطخري: المسالك والممالك، ص23. (8) ذكر أن سعد بن أبي وقاص مات في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة فحمل إلى المدينة وصلى عليه مروان بن الحكم سنة 55هـ. (انظر: ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص139 - 49). ويمكننا أن نستدل من هذا النص على مدى اتساع العمران في المدينة بعد عصر النبي (ص). (9) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص8.