كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
176…النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أن البناء لم يكن قد وصل إلى حبل سلع. وذلك على الرغم من أن سلعاً لم يكن بعيداً من الخطة المعمورة حول المسجد النبوي، من زاويتها الشمالية الغربية. ولذلك كانت جواري الأنصار يخرجن لرعي غنم سادتهن بسلع (1). وقد سبق أن أشرنا إلى أن مساكن القبائل في تلك الجهات، حول سلع، كانت عبارة عن خيام وأخبية (2). وللك نجد أن المسلمين، يوم الخندق، حين فكروا بحفر الخندق، جعلوه في تلك المناطق المفتوحة والخالية من التحصينات، إذ كان سائر المدينة مشبكاً بالبنيان (3). مما يعني أن خطط القبائل الهاجرة، في هذه الجهات، من غربي المدينة، إنما كانت منشأة، بعد حفر الخندق، وقبيل فتح (4) مكة، خصوصاً وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: لا هجرة بعد الفتح. كما ذكر أن أسلم جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في طريقه لفتح مكة، بغدير الأشطاط، جاء بهم بريدة بن الحصيب فقال: يا رسول الل، هذه أسلم وهذه محالها، وقد هاجر إليك من هاجر منها وبقي قوم منهم في مواشيهم ومعاشهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنتم مهاجرون حيث كنتم (5). أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يأمرهم أو يشجعهم على الهجرة إلى المدينة في تلك الأثناء. وما نستدل به أيضاً على أن هجرة معظم القبائل إلى المدينة، كانت قبيل فتح مكة، ما ذكر من أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل الخروج من المدينة، لما أبان الغزو وفتح مكة، أرسل إلى أهل البادية وإلى من حوله من المسلمين يقول لهم: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحضر رمضان المدينة. وبعث رسول الله في كل ناحية حتى قدم عليه، أسلم وغفار، وضمرة ومزينة وجهينة وأشجع. وبعث إلى بني سليم. فلقيته بقديد (موضع قرب مكة)، وأما سائر العرب فخرجوا من المدينة (6). وقد حفر الخندق طولاً، أعلى وادي بطحان غربي الوادي مع الحرة، إلى غربي مصلى العيد ثم إلى مسجد الفتح إلى الجبلين الصغيرين الذين في غربي الوادي (7). ويبدو أن من أسباب قلة البناء أو التوسع فيه إلى جبل سلع، واكتفاء معظم المهاجرين بالسكنى في الأخبية أو…
__________
(1) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص428. (2) انظر: المطري: التعريف، ص76، المرجاني: تاريخ هجرة المختار، ورقة 157 - 58. وقد تكون تلك الأخبية من الجلود، حيث ذكر أن أم مسلم الأشجعية، قالت: دخل عليّ رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا في قبة من أدم (جلد) فقال: ما أحسنها إن لم يكن فيها ميتة. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص496). (3) الواقدي: المغازي، جـ2، ص446. (طبعة أكسفورد). (4) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص403 - 404. (5) الواقدي: المصدر السابق، جـ2، ص782. (طبعة أكسفورد). غدير الأشطاط: على ثلاثة أميال من عسفان ما يلي مكة. (انظر: السمهودي: الوفاء، جـ2، ص352). (6) الواقدي: المغازي، جـ2، ص799 (طبعة أكسفورد). (7) المطري: التعريف، ص76، المرجاني: تاريخ هجرة المختار، ورقة 116. أما عن الجبلين المذكورين، فهما جبلا بني عبيد. ويقول المطري: يقال لأحدهما رابح، وللآخر جبل بني عبيد. (انظر: المصدر السابق، ص65).