كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
177…الخيام، إنما يعود إلى الحالة الاقتصادية التقشفية التي مرت بالمسلمين، مع بداية هجرتهم. فقد ذكر أن أم سلمة (زوج النبي، صلى الله عليه وسلم) لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة دومة الجندل، بنت حجرتها بلبن (وكانت من جريد) لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نظر إلى اللبن فدخل عليها أول نسائه، فقال: ما هذا البناء؟ فقالت: أردت يا رسول الله أن أكف أبصار الناس، فقال: يا أم سلمة، إن شر ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان (1). رابعاً: لمحة عن أثر تخطيط المدينة على مدن الأمصار ويجدر بنا، وقد ألممنا بشيء عن العوامل التي دعت إلى اختيار موضع المدينة، كقادة للهجرة، وبناء المسجد في وسطها كأول نقطة لبداية خطط المدينة بعد الهجرة، أن نورد بعض المقارنات بين خطط ونظم المدينة وبين بعض مدن الأمصار الإسلامية، للتعرف على أوجهة الشبه أو الاختلاف في ذلك. وستكون عنايتنا، مدن كل من البصرة والكوفة والفسطاط، على اعتبار، أن من عناصر سكانها أعداداً كبيرة من قبائل المدينة التي هاجرت إلى هناك، في جيش الفتوحات الإسلامية، والذين كانوا يشكلون عنصر الزعامة والعدد الكبير في أهل تلك المدن (2). وكان الطبري قد أورد نصاً يفهم منه أن طريقة تخطيط مدن الأمصار الإسلامية، كانت تأتي للولاة رأساً من المدينة، فيعلمون على تنفيذها بحذافيرها (3). وعلى هذا يمكن القول بأن تخطيط المدينة - بعد الهجرة - يعد رائداً في مجاله ونموذجاً، سار على منواله مخططوا مدن الأمصار، كالبصرة والكوفة والفسطاط (4). وقد أشرنا في مستهل هذا البحث إلى وجود تشابه كبير بين كل من البصرة والكوفة من جهة، وبين المدينة المنورة من جهة أخرى، في النواحي الطبغرافية. إذ أن كل مدينة قبل تخطيطها إسلامياً، كانت آهلة بالسكان ومستوطناً قديماً، لا يخلو من العمران والمزارع (5). وذلك يعني أن ظروف تخطيط كل من المدينة المنورةأ و البصرة والكوفة، كانت متشابهة…
__________
(1) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص499. (2) انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص33، 47 - 48، المقريزي: الخطط، جـ7، ص3 - 5، 52، ماسنيون: خطط الكوفة، ص9 - 14، الجنابي: تخطيط مدينة الكوفة، ص1، 42، 78 - 80، دائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية لمجموعة من المترجمين، جـ3، مادة البصرة. وقد ذكر أن عمر كتب إلى عثمان بن حنيف، وكان على الكوفة، أن احمل إلى أهل المدينة أعطياتهم، فإنهم شركاؤهم، فكان يحمل ما بين العشرين ألف ألف إلى الثلاثين ألف ألف درهم. (انظر: اليعقوبي: تاريخ، جـ2، ص152). (3) يقول: عن تخطيط الكوفة (على يد سعد بن أبي وقاص سنة 17هـ): "وقد بنى سعد في الذين خطوا للقصر قصراً بحيال محراب مسجد الكوفة اليوم، فشيده، وجعل فيه بيت المال، وسكن ناحيته ثم إن بيت المال نقب عليه نقباً، وأخذ من المال، وكتب سعد بذلك إلى مر ووصف له موضع الدار وبيوت المال من الصحن، مما يلي ودعه الدار. فكتب إليه عمر، أن انقل المسجد حتى تضعه إلى جنب الدار واجعل الدار قبلته، فإن للمسجد أهل بالنهار وبالليل، وفيهم حصن لما لهم، فنقل المسجد وأراغ بنيانه". (انظر: تاريخ، جـ4، ص46). (4) شافعي (د. فريد): العمارة العربية في مصر الإسلامية، جـ1، ص67 - 68. (5) يذكر الطبري، أنه كان فيا لكوفة قبل تخطيطها من قبل المسلمين، ديرات ثلاثة: دير حرقة، ودير أم عمرو، ودير سلسلة، وخصاص خلال ذلك. (انظر: تاريخ: جـ4، ص41). وكذلك الحال بالنسبة للبصرة، حين نزلها عتبة بن غزوان، كان بها سبع دساكر (جمع دسكرة وهي الضيعة أو المزرعة المسكونة بالفلاحين) بالزابوقة، والخريبة، وموضع بني تميم والأزد. (انظر: الطبري: نفس المصدر، جـ3، ص590 - 91، ماسنيون: خطط الكوفة، ص10، الهامش رقم 1، نفس المكان).