كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

178…تقريباً. والذي لوحظ في نواحي الشبه بين المدينة المنورة وبين المدن الإسلامية، من حيث تخطيطها واختيار بقعتها، المراعاة التامة لضرورة توفر الماء والزرع والمرعى بشكل كاف وكبير. وبالنسبة للمدينة، فقد كانت مشتهرة بوفرة مياهها وكثرة نخيلها (1)، بالإَافة إلى اشتمالها على كثير من البقاع الصالحة للمراعى (2)، والمحتطب (3). ولما نزل عتبة بن غزوان، الخريبة من أرض العراق، كتب إلى عمر بن الخطاب يعلمه نزوله إياها: "وأنه لابد للمسلمين من منزل يشتون به إذا أشتوا، ويكنسون فيه إذا انصرفوا من غزوهم (4) " فكتب إليه: "ان اجمع أصحابك في موضع واحد وليكن قريب من الماء والمرعى، واكتب لي بصفته. فكتب إليه أني وجدت أرضاً كثيرة العضبة في طرف البر إلى الريف، ودونها مناقع ماء فيها قصباء. فلما قرأ الكتاب قال: هذه أرض نضرة قريبة من المشارب والمراعي والمحتطب. وكتب إليه أن أنزلها الناس (5). وكان أول ما خط في المدينة، بعد الهجرة، مسجدها (6)، ثم خطت الدور وأنزل الناس (7). وقد أصبحت تلك الطرقة سنة متبعة عند تخطيط مدن الأمصار الإسلامية - فيما بعد - حيث كان أول ما يخط مسجدها ودار إمارتها (8). ثم تختط المنازل من المسجد الجامع، باعتباره مركزاً لها (9). ذكر الطبري أن أول شيء خط بالكوفة وبني، حين عزموا على…
__________
(1) الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص320. (2) وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم، قطعة غنم ترعى بالقف: بالضم وسكون الفاء المهملة: وهو علم لواد من أودية المدينة بالعوالي، شمالي مشربة أم إبراهيم. (انظر: العباسي: عمدة الأخبار، ص398). (3) وكان يوجد في الغابة، وهي اسم موضع قرب المدينة على نحو بريد من جهة الشمال بأسفل سافلتها، كثير من الشجر الملتف، لاحتطاب الناس ومنافعهم. (انظر: العباسي: نفس المصدر، ص381 - 82). وذكر أن بني حارثة، من الأنصار قالوا: يا رسول الله ههنا - يعنون الغابة - مسارح إبلنا ومرعى غنمنا (انظر: البلاذري: فتوح البلدان، ص23). كما كانت منطقة فيفاء الخبار، غربي الجماوات، موضعاً كانت ترعى به إبل الصدقة ولقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم . (انظر: العباسي: المصدر السابق، ص204). (4) البلاذري: فتوح البلدان، جـ2، ص425. وعتبة بن غزوان: هو عتبة بن غزوان بن جابر بن وهب من بني مازن، وحليف بني عبد شمس أو بني نوفل. (انظر ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص455). وهو مؤسس مدينة البصرة سنة 16هـ / 637م أو سنة 17/ 638م، بامر من الخليفة عمر بن الخطاب. وكان في الموضع الذي شيدت فيه المدينة، معسكر ضرب هناك عام 14 هـ/ 635م، ولكنه أخلى ثانية، وقصد من بناء هذه المدينة أن تكو مركزاً للجيش العربي. لذلك اختير مكانها في بقعة إلى القرب من النهر عند أطراف السهوب والوادي الخصيب القريب من المشارب والمراعي. (انظر: ابن حجر: نفس المكان، دائرة المعارف الإسلامية، الترجمة العربية، جـ3، مادة البصرة). (5) البلاذري: المصدر السابق، جـ2، ص425. (6) ابن إسحاق: السيرة، جـ2، ص344، السمهودي، الوفاء، جـ1، ص322 وما بعدها، ابن الحاج: رفع الخفاء، ورقة 69. (7) السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص717 وما بعدها. (8) اليعقوبي: تاريخ، جـ2، ص151، البلاذري: المصدر السابق، جـ2، ص338 - 39، 425. (9) الطبري: تاريخ، جـ3، ص593، جـ4، ص44، ماسنيون: خطط الكوفة، ص17.

الصفحة 178