كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
179…البناء، المسجد (1). ثم قام رجل في وسطه، رام شديد النزع، فرمى على يمينه فأمر من شاء أن يبني وراء موقع ذلك السهم، ورمى من بين يديه ومن خلفه فأمر من شاء أن يبني وراء موقع السهمين (2). وكذلك الحال بالنسبة للبصرة، إذ كان أول ما اختط بها المسجد الجامع (3). واختطت بعد ذلك على نحو من خطط الكوفة (4). أما مدينة الفسطاط، فكان تخطيطها على يد عمرو بن العاص سنة 20هـ أو 21هـ / 641 - 642م (5). حيث اختط الجامع المعروف بالجامع العتيق وبجامع عمرو بن العاص. واختطت قبائل العرب من حوله (6). وسبق أن ذكرنا - آنفاً - أن الطبيعة الجغرافية والجيولوجية للمدينة المنورة، قد أعطتها شكلاً أقرب ما يكون الشكل المستطيل، حيث تحكم في طريقة خططها - بعد الهجرة - بحيث استلزم أن يكون المسجد في الوسط ليتيسر الاتصال بين عامة المسلمين وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، في مقره، حول المسجد. وقد عمل مخططوا البصرة، على محاكاة طريقة خطط المدينة في الشكل. فذكر أن البصرة كانت مستطيلة (7)، بينما احتفظت معظم مدن الأمصار الإسلامية، بشكل دائري (8)، وهي أشكال وجدت نتيجة إقامة المسجد وسط المدينة الإسلامية، كما هو الحال بالنسبة للمدينة المنورة. ولو تجاوزنا أوجه المقارنة في النواحي التخطيطية إلى النواحي التنظيمية للقبائل - إدارياً - لوجدنا أن هناك جملة تاثيرات في تنظيم سكنى الناس في الخط، مستمدة من التنظيمات القبلية في المدينة، على عهد الرسول (ص). ومن ذلك ما سار عليه سعد بن أبي وقاص، عند إنزاله القبائل في خطط الكوفة، إذ راعى توفر رابطة القربى بين أهل الخطة الواحدة (9). وهو تنظيم شبيه لما سبق أن رأيناه، في حديثنا عن مراحل التنظيم السياسي الإداري والاجتماعي للقبائل في المدينة. وفي مدينة الفسطاط، اتبع أسلوبان، لإنزال القبائل في الخطط، وكلاهما شبيهان بما سبق أن أشرنا إليه في تنظيمات…
__________
(1) المصدر السابق، جـ4، ص44. (2) الطبري: نفس المكان. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص455، الجنابي: تخطيط مدينة الكوفة، ص101. (4) الطبري: المصدر السابق، جـ3، ص593. (5) انظر الجنابي: المرجع السابق، ص103. (6) المقريزي: الخطط، جـ7، ص5. (7) العلي (د. صالح أحمد): خطط البصرة، بحث نشر في مجلة سومر، بغداد، 1952م، م7، جـ1، ص72. (8) العلي (د. صالح أحمد): نفس المكان، ماسنيون: خطط الكوفة، ص17. (وانظر أيضاً الخريطة القديمة للكوفة رقم 1، نفس المرجع، ص1). (9) الطبري: تاريخ، جـ4، ص45، اليعقوبي: تاريخ، جـ2، ص151، ماسيون: المرجع السابق، ص10.