كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

18…العرب الرئيسية فقال: جزيرة العرب المدينة ومكة واليمامة واليمن (1). وكانت مأهولة منذ القدم بالقبائل العربية مثل العماليق (2). ثم نزحت إلى جوارهم بعض القبائل اليهودية والعربية، والذين عرف منهم يقيناً، عند ظهور الإسلام، على شكل قبائل كبيرة، بنو قينقاع وبنو قريظة والنضير من اليهود، والأوس والخزرج، من العرب (3). وترينا الخريطة المرفقة، أن المدينة تقع من جزيرة العرب على الحافة الغربية المنحدرة من الجزء السهلي الرئيسي للجزيرة العربية (4). والمسافة بين المدينة وبين بينبع على ساحل البحر الأحمر نحو (275) كيلاً (5). وبينها وبين مكة جنوباً حوالي (500) كيلاً.…
__________
(1) البكري: معجم ما استعجم، جـ1، ص5. (2) العماليق: نسبة إلى عملاق بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وذكر أن العماليق كانوا أول من زرع بالمدينة، واتخذ بها النخل وعمر بها الدور والأطام واتخذ الضياع. (انظر: السمهودي: الوفاء، جـ1، ص157). والأطام: واحدها أطم وهو بناء من الحجارة. (انظر: العدوى: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ص112). ويذكر أنها مأخوذة من ائتطم، إذا ارتفع وعلاز بينما يرى ولفنسون، المؤرخ اليهودي، أن للفعل أطم معان شتى في العبرية: يقال أطم عينيه: أغمضها. وأطم أذنيه سدهما والأطم في الجدار والحيطان هي النوفاذ المغلقة من الخارج والمفتوحة من الداخل (انظر: تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام، ص117). وأحب أن أضيف إلى ما ذكر، أن في عامية أهل نجد، استعمال الفعل بمعنى سقف يسقف الدار في البناء، كما تعني تغطية البئر بالحجارة الكبيرة. ويستعمل في عاميتهم أيضاً فعل الأمر من يطم فيقال: انطم بمعنى اسكت - بجفاء - ومن أمثالهم: "على طمام المرحوم". أي على عهده وأيامه. وفي أساس البلاغة: طم الوادي طموماً: علا وغلب وطم البئر: كبسها، وطم شعره: حلقه. (انظر: الزمخشري: أساس البلاغة ((طبعة دار صادر بيروت))، ص396). ويلاحظ أن لفظة أطم لم ترد في القرآن الكريم. (انظر: مدني، عبيد: أطوم المدينة: بحث نشر في مجلة كلية الآداب - جامعة الرياض، المجلد الثالث، السنة الثالثة، 1393/ 1394هـ). وإنما أشير إليها بلفظة الحصون من قول الله تعالى في بني قريظة والنضير: "وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من أمر الله". الحشر: 2. وأشير إليها أيضاً بلفظة الصياصي من قوله تعالى: "وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم" الأحزاب: 26. ويذكر أن المدينة لم تنفرد بوجود الأطام فيها بل كان باليمامة وكان في خيبر وتيماء والطائف وكان في صنعاء ونجران أطام، ولكن عهد ابتداع هذا النوع من البناء كان موغلاً في القدم وقد يكون تطور أول ما تطور في المدينة (انظر: مدني، عبيد: المرجع السابق، ص223). أما بالنسبة لحصون اليمامة فإنها كانت تعرف باسم البتل الواحد بتيل: وهو هن أو حصن مربع مثل الصومعة مستطيل في السماء من طين منها ما كان طوله مائتا ذراغ في السماء. وقيل كان منها ما طوله خمسمائة ذراع على عهد طسم وجديس سكانها القدماء. (انظر: الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص284). ومما نستدل به على عروبة فكرة بناء الأطام ما أورده المؤرخون المسلمون من أن بني أنيف كانوا من بقية العماليق الغالبين على المدينة قبل اليهود، وكان معهم أحياء من بلى ومن اليمن فابتنوا الأطام والمنازل قبل اليهود. (انظر: العدوى: أحوال مكة والمدينة، جـ2، ورقة 112، ياقوت: معجم البلدان، جـ5، ص84، ابن خلدون: تاريخ "طبعة الحبابي بمصر، 1355هـ"، جـ1، ص44). (3) البلاذري: أنساب الأشراف، جـ1، ص6. السمهودي: الوفاء، جـ1، ص156 وما بعدها، علي (د. جواد): المفصل في تاريخ العرب، جـ1، ص128 - 137. (4) Brita: Ency. Vol. 15 (London, 1957) p. 206 (5) والاسم القديم للبحر الأحمر هو بحر القلزم. (انظر: الأصطخري: المسالك والممالك "تحقيق د. محمد جابر"، ص20). ينبع: بالفتح ثم السكون، والباء الموخدة مصمومة وعين مهملة، بلفظ ينبع الماء وهي على يمين رضوى، (وهو جبل عند ينبع منها على مسيرة يوم، ومن المدينة على سبع مراحل) لمن كان منحدراً من المدينة إلى البحر الأحمر على ليلة من رضوى. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أقطع ينبع عمر بن الخطاب. (انظر: ياقوت: معجم البلدان، جـ3، ص51، مادة رضم، جـ5، ص449 - 450، مادة ينبع). وتبعد ينبع عن المدينة بمسافة تقرب من مائة وخمسين ميلاً نحو الغرب. ويطلق اسم ينبع في العهد الحاضر وقبله بزمن، على ينبع الميناء، وإذا أريد ينبع المنخل قيل: "ينبع النخل". إلا أن اسم ينبع عند إطلاقه في كتب المتقدمين يقصد به ينبع النخل، لأن ينبع الميناء أو "ينبع البحر" كما يسمى أيضاً، كان أقل شهرة حينذاك. (انظر الجاسر: حمد: بلاد ينبع "لمحات تاريخية جغرافية وانطباعات خاصة". ص10 - 12، منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة والنشر، الرياض).

الصفحة 18