كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

180…القبائل في المدينة، إذ وجد في تنظيمات الفسطاط، لإنزال القبائل في الخطط، تنظيم إنزال من تربط بينهم صلة القرى والنسب، في خطة واحدة. مثل خطة مهرة وخطة تجيب وخطة لخم، وخطة غافق، وخطة مذحج، وخطة سبأ، وغير ذلك (1). وكانت بداية هذا التأثير، قد امتدت مع الطلائع الأولى التي فتحت مصر مع عمرو بن العاص، حين عقد له عمر بن الخطاب، على أربعة آلاف رجل كلهم من قبيلة عك (2). وهو تنظيم، سبق أن رأينا له مثيلاً، في تنظيمات القبائل في المدينة، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وعرفناه باسم التنظيم العشائري، وهناك تنظيم للقبائل في الفسطاط، مستمد أيضاً، من تنظيمات المدينة، وهو تنظيم يعتمد على جمع عدة قبائل تحت راية واحدة. لهذا عرف في خطط الفسطاط، خطة سميت بخطة أهل الراية (3)، وهم جماعة من قريش والأنصار، وخزاعة، وأسلم، وغفار، ومزينة، وأشجع، وجهينة، وثقيف، ودوس وعبسن، وبغيض، وجرش من بني كنانة، وليث بن بكر، والعتقاء منهم (4). كما عرف أيضاً، في خط الفسطاط، خطط اللفيف (5)، وخطط أهل الظاهر (6). ومما تجدر ملاحظته أن تلك التنظيمات، قد ظلت قوية المفعول والسريان، تؤدي وظيفتها في ضبط أمور القبائل وقطع دابر ما قد يشجر بينهم من خلاف أو تنافس في اختيار المنازل والبقاع (7). وقد ظل الأمر كذلك، حين كانت السلطة قوية. ثد بدأ الضعف يدب في تلك التنظيمات من حيث التنفيذ، بعد توسع الفتوحات الإسلامية في الشرق الإسلامي، حيث ظهر عامل قوة القبيلة في تقرير مصير سكناها واختيار ما تراه صالحاً من البقاع لامتلاكه، وحدث ذلك، على وجه الخصوص، مع بداية القرن الثاني الهجري (8). فكانت قيس، هي الغالبة على غيرها من القبائل في غرب إيران، أما في الشرق، فكانت قبيلتا بكر وتميم في نزاع دائم، حول ملكية بعض الأراضي، حيث تدعى كل قبيلة أنها استولت عليها قبل الأخرى (9). أما سجستان، المجاروة لإيران، فلم تكن أفضل من جارتها من حيث اشتداد المنافسة على المواضع بين القبائل (10).…
__________
(1) المقريزي: الخطط، جـ7، ص54 - 61. وقد ذكر أن دار بني جمح، بركة يجتمع فيها الماء. فقال عمرو بن العاص: خطوا لابن عمتي إلى جنبي (يريد وهب بن عمير بن وهب الجمحي) فردمت البركة. وخطت. فهي دار بن جمح. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص643). (2) المقريزي: المصدر السابق، جـ7، ص15. (3) المقريزي: نفس المصدر، جـ7، ص54. (4) المقريزي: نفس المكان. (5) وإنما سموا بذلك، لالتفاف بعضهم ببعض. وكان عامتهم الأزد من الحجر، ومن غسان، ومن شجاعة. والتف بهم نفر من جذام ولخم والوحاف وتنوخ من قضاعة، فهم مجتمعون في المنزل متفرقون في الديوان. (انظر: المقريزي: نفس المصدر، جـ7، ص56 - 57). (6) وهم جماع من القبائل، وديوانهم مع أهل الراية، وكان منهم طوائف من الأزد وفهم. (انظر: المقريزي: نفس المصدر، جـ7، ص57 - 58). (7) ذكر المقريزي أن عمرو بن العاص، لما رجع من الإسكندرية ونزل، موضع فسطاطه، انضمت القبائل بعضها إلى بعض، وتنافسوا في المواضع، فولى عمرو على الخطط معاوية بن حديج التجيبي وشريك بن مسمىالغطيفي وعمرو بن محزم الخولاني وحيويل بن ناشرة المعافري، وكانوا هم الذين أنزلوا الناس وفصلوا بين القبائل. (انظر: الخطط، جـ7، ص52). (8) نافع (عبد المنعم): الحياة السياسية ومظاهر الحضارة في الشرق الإسلامي، ص159. (9) نافع (عبد المنعم): نفس المكان. (10) نافع (عبد المنعم): نفس المكان.

الصفحة 180