كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

187…
أولاً - مستوى المعيشة، مع إشارة موجزة إلى أهل الصفة ومنازل الوفود
لو تساءلنا عن مستوى الحالة المعيشية في المدينة، على عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، لوجدنا أن الحوادث التاريخية، تظهر أن حياة المسلمين كانت بسيطة جداً، وعلى الخصوص في السنوات الأولى التي أعقبت الهجرة، حيث أنها كانت في معظم الأحيان تفتقر إلى أهم رورات الحياة اللازمة - حينذاك - لدرجة أن المسلمين، لم يستطيعوا يوم غزة بدر، أن يؤمنوا لأنفسهم أكثر من سبعين بعيراًن وانوا يزيدون على ثلاثمائة قليلاً (1). كما حدث أن اشتكى بعض فقراء المهاجرين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أن التمر أحرق بطونهم، فصعد المنبر فخطب فقال: لو وجدت خبزاً ولحماً لاطعمتكموه (2). ويذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، دخل المسجد فوجد فيه أبا بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، فسألهما عن سبب خروجهما في غير وقت الصلاة. فقالا: أخرجنا الجوع. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنا أخرجني الجوع. فذهبوا إلى أحد الأنصار (هو أبو الهيثم بن التيهان) فأمر لهم بشعير، عنده، يعمل. وقام يذبح لهم شاة (3). ويبدو لنا، أن تلك الضائقة كانت شديدة الوطأة على المهاجرين في المقام الأول، ثم الأنصار، أكثر من غيرهم. حيث ذكر أن رجلاً من الأنصار لقي النبي، صلى الله عليه وسلم، فرأى في وجهه أثر الجوع، فخرج الرجل يعدو، فالتمس في بيته طعاماً فلم يجد. فخرج إلى بني قريظة فأجر نفسه كل دلو ينزعه بتمرة، حتى جمع حفنة من تمروجاء إلى النبي، فوضعه بين يديه (4). وقد استمر تعاقب مثل تلك الضائقة الاقتصادية في المدينة، إلى ما بعد يوم الخندق. فقد كانوا، أثناء حفره، يشدون الحجارة على بطونهم من الجوع والبرد (5). وفي اعتقادنا أن سبب ذلك الجوع - أثناء غزوة الخندق - لا يعود إلى عدم وجود الطعام، وإنما إلى قلته وتقنينه، بسبب ظروف الحرب. فقد ذكر أنهم قد حصدوا الزرع قبل قدوم جيش…
__________
(1) الواقدي: المغازي، جـ1، ص62 (طبعة أكسفورد). (2) ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص231. (3) مالك: الموطأ، جـ2، ص932. (4) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص40. (5) ابن كثير: البداية والنهاية، م2، جـ4، ص99 - 100، ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص35.

الصفحة 187