كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
188…الأحزاب بشهر فأدخلوا حصادهم وأتبانهم. في حين كانت المدينة - ليالي قدموا - جديبة (1). وبلغ الأمر بالناس - حينذاك - حداً جعلهم يتسهلون في أكل لحوم الحمر الأنسية، حتى أتاهم نهي الرسول صلى الله عليه وسلم، عن أكلها، والقدور تفور، فكفأوها على وجوهها (2). وكان ذلك النهي، قد حدث، عام خيبر، سنة سبع من الهجرة (3). وكما سبق أن أشرنا، كان مناخ المدينة متقلباً غير مستقر على وتيرة واحدة أو معلومة، وهو ما كان يعرض المدينة لحالات العسرة والجدب. وقد كانت المدينة تعتمد - حينذاك - في المكان الأول، على ما تنتجه أرضها وما تنبته صحراؤها من كلأ وشجر. ومما يظهر مقدار تقلب المناخ، ما ذكر من أنه عفي عام غزوة تبوك، وذلك في شهر جرب سنة تسع من الهجرة، أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، أصحابه - حين طالبت الثمار - بالتهيؤ لغزو الروم، وكانوا قبل ذلك في زمان من عسرة الناس وشدة من الحر وجدب من البلاد (4). وقد تراجعت معدلات حالات العسرة والتقشف الاقتصادي، بالنسبة للمستوى المعيشي في المدينة، بعد فتح خيبر وتبوك، حيث كثرت في أيدي المسلمين أموال الجزية من أهل الكتاب في المدن التي افتتحها الرسول (ص). بالإضافة إلى ما صالحوا أهل تلك المدن عليه من الثمار (5). وقد ازداد تحسن حال المسلمين الاقتصادي بعد فتح مكة وانتهاء معركة حنين (6). بالإضافة إلى قدوم وفود القبائل العربية إلى المدينة بعشور أموالهم (7).…
__________
(1) الواقدي: المغازي، جـ2، ص444 (طبعة أكسفورد). (2) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص794، ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص94 - 95. (3) ابن إسحاق: المصدر السابق، جـ3، ص794. (4) ابن إسحاق: السيرة، جـ4، ص794. (5) ومن تلك المدن، التي افتتحها الرسول 0ص): تبالة، وجرش، وتبوك، وأيلة، وأذرج. (انظر: البلاذري: فتوح البلدان، جـ1، ص28 - 32، 71 - 77، 86 - 95). والجزية: هي مال فيء يصرف في أهل الفيء. وتجبى بحلول الحول، ولا تستحق قبله. وهي موضوعة على الرؤوس. واسمها مشتق من الجزاء، إما جزاء على كفرهم، لأخذها منهم صغاراً، وإما جزاء على أمان المسلمين لهم، لأخذها منهم رفقاً. وكانت تؤخذ من أهل الكتاب، وهم اليهود والنصارى، ويجري المجوس مجراهم في أخذ الجزية منهم. وكذلك الصابئون والسامرة ومن شاكلهم. ولم تكن الجزية تجب إلا على الرجال الأحرار العقلاء، كما لا تجب على امرأة ولا صبي ولا مجنون ولا عبد. (انظر الماوردي، أبو الحسن علي بن محمد: الأحكام السلطانية، ص142 - 145، ط2، القاهرة، 1966م). ويبدو أنهم كانوا يأخذون الجزية، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، من مجزوس هجر ومجوس أهل اليمن، على كل رجل وعلى كل امرأة أيضاً. (انظر: البلاذري: المصدر السابق، جـ1، ص86). (6) ابن حجر: الإًابة، جـ1، ص364. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص608.