كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
191…معظمهم في التجارة، وخاصة المهاجرين منهم. وكان حاطب بن أبي بلتعة، حليف بني أسد بن عبد العزي بن قصي، تاجراً يبيع الطعام. وقد ترك يوم مات (سنة ثلاثين من الهجرة) أربعة آلاف دينار، ودراهماً، وداراً، وغير ذلك (1). ومن أسس الثروة المعتبرة في المجتمع المدني، غير النقود، امتلاك الأراضي الزراعية، لاستثمارها وبيع ثمرها (2)، ويعد أبا طلحة (زيد بن سهل بن الأسود ابن حرام من بني النجار) أكثر أنصار المدينة مالاً من نخل، وكان أحب أمواله إليه، بئر حاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، وقد تصدق بها على أقربائه، فيما بعد (3)، ويذكر أن أحد الأنصار شكاه أخوته إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه يبذر ماله ويبسط فيه. فقال له: ما شأن اخوتك بشكونك؟ قال: يا رسول الله إني آخذ نصيبي من التمر فأنفقه في سبيل الله، وعلى من صحبني. فقال الرسول (ص): انفق قيس (وهو اسم الصحابي الذي شطكاه إخوته) ينفق الله عليك (4). ومن هذا نستدل على ان التمر كان يعد أحد أسس الثروة المعتبرة بين الناس، في مجتمع المدينة، وكان يقوم مقام النقود في المعاملات والإنفاق. وبالإضافة إلى ما ذكر كان للثروة الحيوانية أهمية خاصة، حيث أنها كانت مصدراً هاماً للألبان، واللحوم، وهما قوام المعيشة لمعظم السكان. وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم، عشرون لقحة، ترعى بالغابة، وهي التي يعيش بها أهل رسول الله صلى الله عليه وسلم، يراح إليه كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن (5). وللرسول صلى الله عليه وسلم أيضاً، منائح من الغنم، سبعاً، ترعاهن أم أيمن، مولاة رسول الله (6)، صلى الله عليه وسلم. وربما ملك الشخص العادي من الناس، خمسمائة شاة من أجود أنواع الغنم وأحسنها (7). وربماملك أكثر من ذلك (8). ومما تجدر الإشارة إليه، أن ذكرنا لمصادر الغنى ومظاهره في مجتمع المدينة، لا يعني - بأية حال - أن جميع الناس كانوا أغنياء ومكتفين معيشياً، لأن سنة الله في خلقه، أن يكون في كل مجتمع أناس يغلب عليهم الفقر والحاجة. وقد كان المجتمع المدني - نسبياً - أفضل مجتمع تكاد تتلاشى فيه الهوة بين الأغنياء والفقراء، الذين كانوا يشكلون نسبة قليلة جداً من السكان.…
__________
(1) ابن سعد: الطبقات، جـ3، ص114 - 15. (2) السخاوي: التحفة اللطيفة، جـ1، ص314 - 15. (3) ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص567، ابن النجار: الدرة الثمينة، ص32 - 33. (4) واسم المذكور كاملاً: قيس بن سلع الأنصاري. (انظر: ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص250). (5) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص494، واللقحة: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، والجمع لقاح. (انظر: مجموعة من المؤلفين: المعجم الوسيط، جـ2، ص840). (6) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص495. والمنائح: مفردها منوح، للإبل والغنم، وهي التي يبقى لبنها بعد ذهاب ألبان مثلها. (انظر: مجموعة من المؤلفين: المصدر السابق، جـ2، ص895). (7) ابن حجر: المصدر السابق، جـ2، ص16. (8) قيل أن أحد المهاجرين، أسره العدمو، فغفلوا عنه، فاستاق غنمهم، فجاء بها، وهي أربعة آلاف شاة. (انظر ابن حجر: الإصابة، جـ2، ص5).