كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

192…
الصفة
وقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم، بأمر الفئة الفقيرة من الصحابة، في مجتمع المدينة، فبنى ظلة في مؤخرة مسجده، في جهة الشمال، يأوي إليها المساكين. وكانت تعرف باسم الصفة (1). ومكانها خارج المسجد، لاصقة به (2). ويعرف من يأوي إليها، بأهل الصفة (3). أو أصحاب الصفة (4). وكان بناء الصفة قد أنجز مع بناء المسجد النبوي في قبلته، لما كانت هذه القبلة في شمالي المسجد، لأنه صلى الله عليه وسلم، صلى ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهرا، إلى بيت المقدس، فلما حولت القبلة بقي حائط القبلة الأولى مكان أهل الصفة (5). والغرض الرئيسي من بناء الصفة هو إيواء فقراء الصحابة وتأمين معيشتهم (6)، خصوصاً، وأن الحالة المعيشية كانت في المدينة - كما أسفلنا القول - رديئة، إلى ما بعد فتح خيبر. وقد وصف أبو هريرة، رضي الله عنه، حال أهل الصفة، وكان أحدهم، يقول: لقد رأيت سبعين من أهل الصفة ما منهم رجل عليه رداء، إما إزار، وإما كساء، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ الساقين ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه بيده كراهية أن ترى عورته (7). كما وصفوا أيضاً، بأنهم أهل الحاجة (8). وكان أبو هريرة يقول: كنت من أهل الصفة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان ليغشى عليّ، فيما بين بيت عائشة وأم سلمة، من الجوع (9). ولما جاء الله تعالى بالغنى، أصبح أهل الصفة، مجموعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا منازل لهم، ينامون…
__________
(1) السمهودي: الوفاء، جـ2، ص453. والصفة: بضم الصاد وتشديد الفاء: واحده صفف الدار، وهي مكان مظلل أعد لنزول الغرباء فيه، ممن لا مأوى ولا داراً له. (انظر: مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 7، ياقوت: معجم البلدان: جـ3، ص414). (2) المرجاني: تاريخ هجرة المختار، ورقة 130 - 31. (3) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص255. (4) مجهول: المصدر السابق، ورقة 7، السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص454. (5) ابن فضل الله: مسالك الأبصار، جـ1، ص124. (6) ابن النجار: الدرة الثمينة، ص71 - 72. (7) ابن النجار: نفس المكان. المرجاني: تاريخ هجرة المختار، ورقة 130. وأبو هريرة، صحابي جليل، وكان أحفظ الصحابة لأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من قبيلة دوس، أسلم بين الحديبية وخيبر. (انظر: ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص202 - 207). (8) قالت أم سلمة، رضي الله عنها: كان أهل الحاجة من الصحابة: ربيعة بن كعب وأسماء وهند ابنا حارثة الأسلميين، وطهينة (وقيل طهيفة، وقيل طخفه الغفاري، وهو المرجع)، وعباد بن خالد الغفاري، وجعيل بن سراقه وعرباض بن ساريه وعمر بن عوف، وعبدالله بن مغفل، وأبو هريرة، وآثلة بن الأسقع. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص235، 264). (9) ابن سعد: الطبقات: جـ1، ص256.

الصفحة 192