كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
193…في المسجد، ويظلون فيه ليس لهم مأوى غيره (1). وهم أيضاً، أضياف الإسلام، لا يأوون على أهل ولا مال ولا أحد (2). وذكر في هذا المجال، أنه لما كثر المجاهدون بالمدينة ولم يكن لهم دار ولا مأوى، أنزلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، المسجد (3). وكان من قدم المدينة، فكان له بها عريف، نزل على عريفه، ومن لم يكن له بها عرف نزل الصفة (4). ومما سبق، نرى أن أغراض ومهام الصفة، قد تطورت كثيراً ولم تعد مهمتها وقفاً على إيواء وإطعام الفقاء من الصحابة فحسب، بل أصبحت مع مرور الزمن ومجيء الغنى، أشبه ما تكون بدار الضيافة، تستقبل من لا أهل له ولا دار في المدينة، إلى أن يتدبر أمره ويجد له سكناً ومصدر رزق يعيش منه. وهذه الحال التي أصبحت عليها الصفة جعلها تعرف باسم صفة المهاجرين (5). وذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يجالس أهل الصف ويوآنسهم (6). ويتدارس معهم القرى، وأمور دينهم (7)، كما كان يدعوهم إلى طعامه، ولو في ظلمة الليل (8)، قبل أن تتطور أحوالهم المعيشية. وقد نتج عن طول تلك الملازمة، بين أهل الصفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم، أن أصبحوا أكثر من غيرهم حفظاً لأخبار رسول الله وأحاديثه وأفعاله (9). ولعل هذا يعد هدفاً من الأهداف التي بنينت من أجله الصفة، إذ عمل على حفظ الصلة الدائمة بين الرسول صلى الله عليه وسلم، وبين فئة من الصحابة، لم تشغلهم هموم العيال والأهل أو سائر مطالب الحياة، عن تلقي العلم من رسول الله، صلى الله عليه وسلم (10). وقد شهد الجميع، لأهل الصفة بهذه الفضيلة. فذكر أن رجلاً جاء إلى طلحة فقالك أرأيتك هذا اليماني علم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم منكم - يعني أبا هريرة - نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم؟ قال: أما أن قد سمع من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ما لم نسمع، فلا أشك، وسأخبرك. إنا كنا أهل بيوت، وكنا إنما نأتي رسول الله غدوة وعشية، وكان مسكيناً لا مال له، إنما هو على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم،…
__________
(1) ابن سعد: الطبعات، جـ1، ص255. (2) ابن النجار: الدرة الثمينة، ص71 - 72، السمهودي: الوفاء، جـ2، ص455. (3) مجهول: في سيرة الرسول، ورقة 7. (4) السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص456. (5) ابن الأثير: أسد الغابة، جـ1، ص73 - 74، ابن حجر: الإصابة، جـ1، ص36. (6) مجهول: المصدر السابق، ورقة 7، السمهودي: المصدر السابق، جـ2، ص454. (7) ابن الأثير: المصدر السابق، جـ1، ص73 - 74. (8) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص255 - 56. ابن النجار: المصدر السابق، ص71 - 72. (9) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص206. (10) البخاري: الصحيح، جـ3، ص46.