كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

195…عددهم، هي تخصيص مكان خاص لنزولهم، عرف باسم منزل الوفد (1). ولم تكن تلك الفكرة جديدة على المجتمع الإسلامي - في الواقع - إذ أنها اصحبت أحداث الهجرة، واقترنت بها، حين نزل العزب من الهاجرين، دار سعد بن خيثمة في قباء (2). ونزل معظم المهاجرين على كلثوم بن الهدم (3)، وعلى رفاعة بن عبد المنذر (4). ونحب أن نشير في هذا الصدد، إلى أننا لم نجد ما يجلي الغموض عن طبيعة نزول معظم المهاجرين، مع بدء الهجرة، على تلك الفئة المحدودة من الأنصار. هل كان نزولهم بأجر أمكان تبرعاً منهم لوجه الله؟ ومن استقرائنا للنصوص الواردة في كتب التراجم والطبقات، لم نجد ما يدل على فقرهم أو غناهم الكبير. وذلك يحمل على الاعتقاد أنهم كانوا من أواسط الناس. ولا يستبتعد أنهم كانوا يأخذون على إيوائهم للنزلاء في بيوتهم أجراً معلوماً، خصوصاً، وأن المدينة كانت محطة تجارية ومستراحاً لقوافل التجار المارين بها، من الجنوب إلى الشمال والشرق، والذي لابد وأنهم قد طلبوا مكاناً يؤمن لهم الراحة والأمان، نظير شيء معلوم يقدمونه، من بضائعهم أو أرباحهم. والذي حملنا على هذا الاعتقاد، ما لوحظ من تكرر نزول كثير من المهاجرين عليهم، مع أن في المدينة عدداً من الصحابة هم أكثر من أولئك مالاً، وأرفع منهم منزلة اجتماعية وقيادية بين القوم، مما يجعلهم أحرص على أن ينزل المهاجرون عليهم دون غيرهم، لو أن في الأمر مفاخرة أو تسابق على فعل الخير. والظاهر أن تخصيص منزل بعينه للوفود في المدينة، قد جرى مع بداية سنة تسع من الهجرة. فقد ذكر أن سبعة نفر من قبيلة خشين، قدموا بعد خيبر، فنزلوا على أبي ثعلبة الخشني (5). وحين قدم وفد بهراء من اليمن، وهم ثلاثة عشر رجلاً، أقبلوا يقودون رواحلهم حتى انتهوا إلى باب المقداد بن عمرو، ببني جديلة، فخرج إليهم المقداد فرحب بهم وأنزلهم في منزل من الدار (6). وتعد دار رملة بنت الحارث، أشهر منازل الوفود في المدينة، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لتكرر ذكرها - منذ سنة تسع من الهجرة - حين يذكر إنزال الوفود في المدينة (7). وكان اتخاذ دار رملة لتكون منزل الوفد في المدينة، إنما يعود…
__________
(1) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص332. (2) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص305. دار سعد بن خيثمة: جنوبي مسجد قباء، تلي جدار قبلته. وهناك أيضاً دار كلثوم بن الهدم، جوارها. وقد تهدمت الداران قديماً وبنت وزارة المعارف السعودية في مكانهما المدرسة الابتدائية للبنين. (انظر: الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص336، الفيروز آبادي: المغانم المطابة، ص327، الأنصارين عبد القدوس: آثار المدينة المنورة، ص25 - 27). (3) ابن سعد: المصدر السابق، جـ3، ص404، 407 - 18. (4) ابن سعد: نفس المصدر، جـ3، ص392، 393، 405، وفي أماكن متفرقة. (5) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص329. (6) ابن سعد: نفس المصدر، جـ1، ص331. (7) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص216، 299 - 302، 315، 324. ورملة بنت الحارث، تذكر في المبايعات، وهي رملة بنت الحارث بن ثعلبة بن الحرث بن زيد الأنصارية النجارية. وزوجها معاذ بن الحارث بن رفاعة. (انظر: ابنحجر: الإصابة، جـ4، ص305).

الصفحة 195