كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)

196…إلى أنها كانت واسعة وفيها نخل (1). وقد ذكر في هذا الصدد أن بني قريظة، لما حكم فيهم سعد بن معاذ، حبسوا في دار رملة بنت الحارث (2). والمعروف أن عدد من حبس من بني قريظة، كان يزيد على الثمانمائة (3). وهو عدد كبير كان يستلزم - ولا ريب - تهيئة مكان واسع لاستيعابهم.
ثانياً: اعتماد الناس في المدينة المنورة على الخدم والموالي لقضاء أمورهم
لم تكن ظاهرة الاعتماد على الخدم في المجتمع المدني، وليدة ظروف الهجرة فحسب، بل كان أهل المدينة - بحكم كونهم يعتمدون في حل حياتهم الاقتصادية، على الزراعة - يندر أن تخلو بيوتهم من وجود خادم مملوك أو غلام، كما كان يدعى، يعينهم في أمورهم ويساعدهم في زراعتهم (4). ويبدو لنا، أن تلك الظاهرة قد أصبحت ملموسة - أكثر من ذي قبل - مع تعدد مهام المسلمين في المدينة، بعد الهجرة وانصراف معظمهم للقيام بمسؤوليته، نحو تثبيت أمر الإسلام، والجهاد في سبيل الله. وذلك أوجد للعبد أهمية كبيرة، في المجتمع الدني، حتى تساوى دوره في نظر المسلمين، بالدور الذي تقوم به الخيل في الجهاد (5). وفي هذا ذكر أن سعد بن عبادة سيد الخزرج، كان يغزو على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، سنة ويغزو ابنه قيس سنة. وكان سعد إذا غزا، أعطى مفاتيح خزائن لمولاه نسطاس، موليه ثقته، يتصرف بأمواله كيفما شاء (6). وقد بلغ من أهمية ضرورة تواجد الخدم في المجتمع المدني، أن أحد بني مزينة (معاوية بن سويد بن مقرن المزني) قال: كنا بني مقرن لنا غلام، فلطمه بعضنا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فشكا إليه فأعتقه. فقيل: يا رسول الله إنه ليس فيهم خادم غيره. فقال: فليخدمهم حتى يستغنوا (7). ويمكننا أن نستخلص من هذه الحادثة عدة معان وحقائق تاريخية، عن مجتمع المدينة، فهي تؤكد مدى الضرورة الملحة لاعتماد الناس على الخدم، وتظهر في نفس الوقت طبيعة العلاقة بين السادة والخدم ومدى الحرص على حفظ حقوقهم، لدرجة أنه كان من حق ولي الأمر، أن يعتق أي عبد يشتكي ظلم مولاه (8).…
__________
(1) الخزاعي: الدلالات السمعية، ورقة 193، الكتاني: التراتيب الإدارية، جـ1، ص445 - 46. (2) ابن حجر: المصدر السابق، جـ4، ص305. (3) ابن إسحاق: السيرة، جـ3، ص721. الطبري: تاريخ، جـ2، ص488. (4) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص497. ابن كثير: السيرة، جـ2، ص253، الديار بكري: تاريخ الخميس، جـ1، ص337. (5) روى أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة. (انظر: مالك: الموطأ، جـ1، ص277). (6) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص553. وروى أن عمير مولى أبي اللحم قال: كنت مملوكاً فسألت النبي (ص): أتصدق من مال مولاي بشيء؟ قال: نعم. والأجر بينكما. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص38). (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص434 - 35. (8) وهناك شواهد أخرى، تذكر مجيء بعض العبيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشتكون ظلم سادتهم فيصرفهم الرسول صلى الله عليه وسلم، أحراراً معتقين. (انظر: ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص551).

الصفحة 196