كتاب مجتمع المدينة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم (اسم الجزء: 1)
197…وقد تعددت مهام الخدم وتشعبت في المجتمع المدني - على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم - فمنهم من كان يعالج لسادته تجارتهم، إذا كانوا تجاراً (1)، أويرع غنمهم (2)، أو يدير شؤون البيت الأخرى (3). ولم تكن الخدمة، على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، قصراً على العبيد والموالي. فكان من الصحابة من خدم النبي صلى الله عليه وسلم، واستمر في خدمته، وإن لم يكن مملوكاً أو مولى. ومنأولئك هند وأسماء ابنا حارثة الأسلميين، كانا يخدمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يريمان بابه، حتى قال بعضهم: ما كنت أظنهما إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم (4). ومنهم أيضاً أنس بن مالك الأصاري (5)، وخالد بن سيار الغفاري، وكان سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو وحسان الأسلمي (6). وعياذ بن عمرو السلمي (7)، والهيثم بن نصر الأسلمي، وكان يأتيه بالماء من بئر أبي الهيثم بن التيهان (8)، وعبدالله بن مسعود الهذلي، وكان صاحب نعليه (9). وكان للرسول صلى الله عليه وسلم، بعض العبيد، فأعتقهم وظلوا في خدمته (10)، ومنهم يسار الراعي، كان غلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة (11). ولم تقتصر الاستفادة من الموالي والعبيد على الخدمة وإدارة شؤون البيت فحسب، بل إن صاحب العبد، ربما استخدم مولاه كحرفي يعمل بيده، أو أجره بنسبة معينة يأخذها من أجرته (12). وربما اشترى الرجل العبد لهذا الغرض، يعمل لحسابه، إما حجاماً أو قصاباً أو نجاراً (13). ومما يستدل به على مدى شيوع عادة استخدام السادة، لمواليهم، كإجراء وحرفيين، ما روى من أن الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: وهبت خالتي فاخته بنت عمرو، غلاماً وأمرتها أن لاتجعله جازراً ولا صائغاً ولا حجاماً (14). ويظهر أن شرط الرسول صلى الله عليه وسلم على خالته، أن لا تجعله في تلك المهن، ربما جاء لأمور توسمها الرسول صلى الله عليه وسلم، في ذلك الغلام وأمل أن يبذ فيها. وكان الرسول صلى الله عليه وسلم، قد احتجم، فحجمه أبو…
__________
(1) الأصفهاني: الأغاني، جـ1، ص52. (2) ابن حجر: الإصابة، جـ3، ص648. (3) ابن حجر: نفس المصدر، جـ1، ص13. (4) ابن سعد: الطبقات، جـ1، ص497، ابن عبد البر: الاستيعاب (هامش كتاب الإصابة، جـ1)، ص97 - 98. (5) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص497. (6) ابن حجر: المصدر السابق، جـ1، ص407. (7) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص46. (8) ابن حجر: نفس المصدر، جـ3، ص615. (9) ابن حجر: نفس المصدر، جـ2، ص368 - 69. (10) ابن سعد: المصدر السابق، جـ1، ص497 - 98. (11) ابن حجر: المصدر السابق، جـ3، ص666 - 67. (12) مالك: الموطأ، جـ2، ص974. (13) البخاري: الصحيح، جـ3، ص51، 52، 54. (14) ابن حجر: الإصابة، جـ4، ص374.